وأما صحيح البخاري فأكثر الكلمات التي فيها غرابة لغوية أو إشكال جمعها ابن مالك حين كان اليونيني يريد تحقيق صحيح البخاري، وهو أول عملية تحقيق في هذه الأمة، هذا التحقيق الذي يفخر به المستشرقون إنما نشأ في بداية القرن الثامن الهجري حينما ابتدأه اليونيني رحمه الله، فجمع ستة عشر عالماً في دمشق، وأعطاهم أموالاً طائلة، وجمع إليهم نسخ صحيح البخاري المروية في دمشق، فقابلها وكتب الفروق بينها بكل دقة، وجعل الكلام الساقط من بعض النسخ بين قوسين، وأشار عليه بحروف تدل على النسخ، وكانت نسخة اليونيني أصح نسخ صحيح البخاري وأجمعها للروايات؛ لأنه جمع الاختلاف الوارد في رواية ابن عساكر، وفي رواية كريمة، وفي رواية الكشميهني، وفي راوية أبي ذر الهروي، وفي رواية المستملي، وفي رواية الأصيلي، وفي رواية المؤيد، فجمع كل الاختلافات الواردة في روايات صحيح البخاري وأبان الفروق بينها، فإذا أشكلت عليهم أية مسألة لغوية فـ ابن مالك موجود بين ظهرانيهم أحالوها عليه، فكتبها وكتب الجواب عنها، وجمع ذلك في كتاب سماه: التوضيح والتصحيح لحل مشكلات الجامع الصحيح، وهو كتاب مطبوع الآن، لذلك فـ ابن مالك هو مرجع سواء كان في مجال الوحي والنصوص، أو في مجال اللغة.
والشيخ هنا استشهد بكلامه في كافيته، والكافية هي النظم الذي نظمه لأحد أولاده وأراد به أن يقوي ملكته في النحو، فنظم له الكافية الشافية وهي ألفان وسبعمائة وثمانون بيتاً، كما قال هو فيها: ومنتهى أبياتها ألفان مع مئين سبع وثمانين تبع وهو أول كتاب من كتب النحو يكثر فيه من الاستشهاد بالحديث، وكل من سبقه من النحويين يندر لديهم الاستشهاد بالحديث، فلو رجعت إلى كتاب سيبويه وشروحه، لا تجد عناية بالاستشهاد بالحديث، وكتاب سيبويه فيه ثلاثمائة وثمانون آية من القرآن؛ لكن الأحاديث فيه معدودة على الأصابع والظاهر أنها أربعة أحاديث، وأول من أكثر من الاستشهاد بالحديث هو ابن مالك في شرحه الكافية المسمى: شرح الكافية الشافية وقد طبع في خمس مجلدات.
وهذا البيت من الشافية يقول فيه: وذات أنثاه ذوات الجمع وجريان الأصل مثل الفرع