Q عن قول الإمام أحمد: لا كيف ولا معنى، ما الفرق بينه وبين التفويض؟
صلى الله عليه وسلم بالنسبة للتفويض يطلق على أمرين: يطلق على تفويض الكيف وعلى تفويض المعنى، فتفويض الكيفيات تفويض مطلوب من كل أحد؛ لأن الكيفيات لا تصل إليها العقول، فتفوض إلى الله كيفيات صفاته؛ لأنك لا يمكن أن تدرك ذلك بعقلك.
وأما التفويض في المعنى: فإنه لم يعرف الكلام فيه قديماًَ، بل أول من ذكر عنه أنه صرح به هو أبو الحسن الأشعري، وذلك حين خالط الأعاجم، واختلطت اللغة العربية بغيرها من اللغات فقال: إذا قلت للأعجمي: الاستواء معلوم والكيف مجهول، قال لي: معلوم عندك، أما أنا فغير معلوم عندي، وإذا قلت له: اليد معلومة في اللغة، قال: أنا غير معلومة عندي، فاضطر حينئذ إلى أن يفوض وأن يقول له: الله أعلم بمراده به.
وسنتكلم على هذا النوع من أنواع التفويض، وهل هو مذهب السلف أو قريب من مذهب السلف؟ لأن بعض الناس يزعم أنه مذهب السلف تماماً، وهذا الذي ذكره السبكي والسيوطي وغيرهما حتى الحافظ ابن حجر، ولكن الواقع أن بينه وبين مذهب السلف فرقاً بسيطاً جداً، فالسلف مثلاً يقولون في مثل هذه الصفات: الاستواء معلوم، وأصحاب التفويض يقولون: الله أعلم به، ولا يؤول ذلك واحد منهما، ولا ينفيه واحد منهما، ولا يصرح بشرح لفظ من ذلك واحد منهما، الخلاف فقط في الجواب عنه، فهذا يقول: معلوم، وهذا يقول: الله أعلم به، فالأمر فيه سهل.
أما بالنسبة لكلام الإمام أحمد فإنه قد يفهم منه الوجهان معاً، قد يكون المقصود بقوله: (ولا كيف) أنه لا يبحث عن الكيف، فيكون هذا من تفويض الكيف، وقطعاً لا يقصد به أنه لا كيف للصفة؛ لأن كل صفة لا بد لها من كيف، لا يفهمها العقل بلا كيف، لكن الكيف مجهول، وقوله: (ولا معنى) محتملة لأمرين: الأول: إما أن يكون المعنى: لا تفسير لذلك، أي: لا يحل لك أن تفسره بأي لفظ آخر، وهذا القول هو الراجح.
القول الثاني: أن (لا معنى) معناه: أن معناه مجهول بالنسبة لنا نحن، وإنما نؤمن بأنه حق، وبأن الله إنما وصف نفسه بذلك كمالاً له، وهذا القول هو قول التفويض.