القسم الثالث: ما لا يتعين في الأصل كونه صفة ولا كونه فعلاً، وهو مثل الوجه، والعين، واليدين، والقدم، والساق، والأصابع، ونحو ذلك.
فهذه الأمور لا تفهم -من أصل اللغة العربية- معنى الصفة فيها، ولا يفهم معنى الفعل فيها، لكن مع ذلك إذا نظرنا إلى أنه منطلق للفعل فيمكن أن يعتبر صفةً، كاليد مثلاً فإن بها الكتابة، كتب الله التوراة بيمينه لموسى، وخلق آدم بيمينه، فهذا يقتضي أن اليد وأن اليمين صفة من هذا النوع، فاليد صفة لله، وآدم هو المخلوق باليد، فتعلقت به اليد والتوراة مكتوبة باليد فتعلقت بها اليد.
وهذا النوع قد أشكل على كثير من الناس، وهو سبب الخوض في باب الأسماء والصفات كما سنذكره، فأصل الخوض في الأسماء والصفات هو هذا النوع، والصحابة رضوان الله عليهم لم يسألوا عنه، ولم يستشكلوا شيئاً منه، وكذلك التابعون، وأول ما ظهر الإشكال فيه في أيام أتباع التابعين، فسئل عنه عدد من أئمة الهدى ومنهم: مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وعبد الملك بن صبيح، وهشيم بن بشير الواسطي، والليث بن سعد؛ فاتفق جوابهم وقالوا: (اقرءوها وأمروها) وفي رواية: (أمروها كما جاءت) ، وروى هذا عنهم: الوليد بن مسلم، وقال بعضهم: (قراءتها تفسيرها) فليس لها تفسير، ولا يمكن أن تفسر بكلام الحادث، وإنما تفسيرها قراءتها، فتقرأ وتترك كما أنزلت في الوحي ولا يتعدى بها ذلك.
ولهذا قال فيها أحمد بن حنبل: (لا كيف ولا معنى) وقوله: (لا معنى) معناه: لا تفسير، أي: لا تفسرها بأي شيء، فلو سألك سائل عن معنى الوجه أو العين أو اليد، فلا تفسرها بأي لفظ من الألفاظ؛ لأنه لم يرد ذلك في الوحي، ولا نطق به رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا نطق به أحد من أصحابه، ولا أحد من أتباعهم، والذين سئلوا عن ذلك من أتباع التابعين قالوا هذا، ولهذا تجدون كتب التفسير مع أنها تفسر الألفاظ المختلفة في القرآن، وكثير من الألفاظ يعتنون بتفسيرها باللغة وما جاء فيها، أما هذه الألفاظ فإنه لا يفسرها أهل السنة، وإنما يشتغل بتفسيرها المتأولون الذين يؤولونها من المتكلمين والمعتزلة، لكن أهل السنة ليس لهم تفسير لها، فإنما يقرءونها ويمرونها فيقولون: نعم، صدق الله، وما وصف به نفسه فهو حق، ونحن نؤمن بها على مراد الله، ولا نتعب أنفسنا في تفسيرها، وإذا كنا من أهل العربية الناطقين بها فنعرف معنى اليد في اللغة، ومعنى العين في اللغة، ومعنى الوجه في اللغة، لكن لا نتكلف أن نبين ذلك لمن سوانا.