Q ما هي الحكمة من توفيق الله تعالى العبد للتوبة إذا كان لن يتقبل منه هذه التوبة؟
صلى الله عليه وسلم الحكمة من توفيق الله للعبد لأي عمل صالح وهو لا يريد أن يتقبله منه هي الرحمة بغيره، فقد يوفق الله العبد لأن يتوب من ذنب ليطهر الله الأرض من ذلك الذنب؛ لأن الأرض تشكو إلى الله من ذلك الذنب، فيترك الإنسان ذلك الذنب، والله تعالى يعلم أنه سيعود إليه، أو أنه يختم له بالشقاوة فلا يتقبل الله توبته، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] .
ومثل هذه الأعمال كلها، فمثلاً قد يوفق الله العبد للصدقة، فيجعل تلك الصدقة رحمة للمتصدَق عليه، ولكنه لا يقبلها من المتصدِق؛ لأنه علم أن في قلبه مرضاً فيبطلها بالمن والأذى ونحو ذلك، نعوذ بالله من سوء الخاتمة! فلله تعالى في ذلك حكم عجيبة جداً.
ولهذا فإن أعمال الكافرين قد تحقق رحمة للمؤمنين، فمثلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل من مائدة ابن جدعان هو وكثير من المؤمنين الضعفاء ومع ذلك لا يتقبل الله تلك المائدة من ابن جدعان، وقد سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يقدمه؛ لأنه كان قد اشتهرت مائدته؛ لأنه كان ينادي عليها المنادي بفجاج مكة وشعابها، حتى قال فيه الشاعر: له داعٍ بمكة مشمئل وآخر فوق دارته ينادي فالرسول صلى الله عليه وسلم حين سألته عائشة قال: (إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) ، والله تعالى يقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23] ، ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:39] .
وأهل الفترة هم في النهاية إما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار، فإن كانوا من أهل الجنة فما تقربوا به إلى الله سبحانه وتعالى يحسب لهم إذا امتحنوا يوم القيامة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به؛ فإنه يتقبل منهم ما مضى من أعمالهم؛ لأنه لم تكن قد قامت عليهم الحجة في الماضي.
وإن كانوا من أهل النار فلم ينجحوا في الامتحان الأخروي، فإنه لا يتقبل منهم، إنما يتقبل الله من المتقين.
ونفس الشيء يكون للذين لم تبلغهم الدعوة من أهل الفترة، فتقام عليهم الحجة يوم القيامة بالامتحان، حيث يمتحنهم الله ببعثة النبي إليهم، ومن علم الله فيه الخير وفقه لتصديقه ومن علم فيه غير ذلك -نسأل الله السلامة والعافية- حجبه عن ذلك.