بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا أرحم الراحمين! يقول الشيخ حفظه الله: [والكتب التي على رسل البشر أنزل من كلامه جل فذر قولهم القرآن قد دل على الـ كلام أو على الذي الكلام دل] من أركان الإيمان: الإيمان بالكتب المنزلة، وهذا الركن في أصله داخل في الركن الأول الذي هو الإيمان بالله؛ فأركان الإيمان ستة، لكن ثلاثة منها ترجع إلى واحد.
فالإيمان بالله يشمل الإيمان بالكتب المنزلة والإيمان بالقدر؛ لأن الكتب المنزلة كلام الله، والقدر من علم الله، فهذا كله يرجع إلى الإيمان بالله.
فإذاً: تعود هذه الأقسام في حقيقتها إلى أربعة: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر.
أما الإيمان بالكتب والإيمان بالقدر فهو من الإيمان بصفات الله، وللعناية بالإيمان بالكتب جُعل الإيمان بها ركناً مستقلاً من أركان الإيمان، وللعناية بالقدر وكثرة زيغ الناس فيه جُعل الإيمان به ركناً مستقلاً.
والكتب جمع كتاب، والكتاب في اللغة فعال للآلة، من (كتب) بمعنى: خاط، فهو آلة الخياطة، ثم أطلق بعد هذا على الأوراق التي تكون حاوية للرسوم المقصودة فتخاط لتجمع، فسميت كتاباً، ثم سميت الحرفة التي هي الضرب بالحروف على الأوراق كتابة، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] .
ومنه قول الشاعر: تخطه من ذوات المصر كاتبة قد طالما ضربت باللام والألف وإطلاق الكتب على كلام الله سبحانه وتعالى المنزل إلى الرسل من البشر سببه: أن هذا الكلام الذي ينزله الله تعالى عليهم كان ينزل عليهم مكتوباً، إلا القرآن فلم ينزل مكتوباً، وإنما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك سمي كتاباً، وتسميته كتاباً بمجاز آخر وهو: أن الرسالة التي يرسلها أحد إلى أحد تسمى كتاباً، فتقول: أرسل إلي فلان كتاباً، وهذا القرآن هو كتاب الله إلى خلقه، فهو رسالة من عند الله إلى خلقه، وقد أنزلها على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وليست مكتوبة، ولكنها رسالة يؤديها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس، فمن أجل هذا سمي كتاباً.
والحاجة إلى كتابة الكتب السابقة: أنها لم تكن في علم الله تعالى تصلح إلا لمدة محددة لا تتجاوزها؛ فلذلك جاءت مكتوبة من عند الله سبحانه وتعالى، ولم يؤمر الناس بحفظها؛ لأن الحفظ في الصدور أبقى من مجرد الكتابة، فالعلم مع كثرة كتابته وكثرة الكتب المؤلفة فيه يقل إذا لم يكن محفوظاً بالصدور، ومن هنا فإن الكتب السابقة كلها لم يكن أهلها يحفظونها، إنما كانوا يستودعونها ويستحفظونها مكتوبة، ويتوارثها الناس نسخاً مكتوبة.