وتنقسم السنة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أقوال نزلت بلفظها ومعناها من عند الله تعالى، لكنها غير معجزة، وهذه هي الأحاديث القدسية، وهي قطعاً وحي بلفظه ومعناه.
القسم الثاني: أقوال أنزل معناها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعبر عنها بلغته، وهذه هي السنة النبوية غير القدسية.
القسم الثالث: ما تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم به بطبيعته البشرية، فهو بشر من الناس يستفهم ويسأل ويجيب، فهذه لا تعتبر وحياً.
إذاً فالسنة ثلاثة أقسام: قسمان من الوحي وقسم ليس وحياً، وإذا نظرنا إلى الآية التي جاء فيها الإطلاق وهي قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3-4] فإن (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى) نفي نطقه عن هواه، ولكن ذلك لا يقتضي إثبات أنه ما ينطق إلا عن وحي، فلم يقل: وما ينطق إلا عن وحي، بل ذكر أنه لا ينطق عن الهوى، والهوى هو ميل النفس إلى الشهوات، فكل كلامه صلى الله عليه وسلم لا ينطق به عن هوى، لكن منه ما هو طبيعة بشرية فيه، وهي على أكمل أخلاق البشر وأكمل أوصافهم، فلا تكون مائلةً إلى الهوى، ومنه ما هو وحي منزل إليه من عند الله، ولهذا قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] والمقصود بذلك ما كان تشريعاً ونحوه مما أنزل إليه من عند الله سبحانه وتعالى.
وقد أثبت الله تنزيل السنة بالإطلاق وسماها الحكمة في قوله تعالى: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] والمقصود بالحكمة المنزلة إليه السنة.