والاصطفاء نوعان: اصطفاء عام وهو مثل قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:33-34] ، فهذه الاصطفاء عام بمعنى: انتقاء الجنس والنوع، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى من ذرية آدم إبراهيم، واصطفى من ذرية إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ذرية إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، وجعلني من قريش في المحل الأسنى، فأنا خيار من خيار من خيار، ولا فخر) .
فأحاديث الاصطفاء كلها من هذا الاصطفاء العام الذي لا مانع أن يدخل فيه أهل الكفر، فيختار العنصر بكامله ويكون خيره أكثر من شره وأفضل، لكن لا مانع أن يكون مع ذلك بعض الشر، كاصطفاء ذرية عمران على العالمين، واصطفاء ذرية إبراهيم، وفيهم من كان مؤمناً ومن كان كافراً كما قال تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} [البقرة:253] ، وكما قال تعالى في سورة النساء: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} [النساء:54-55] فقد اصطفاهم الله عموماً بهذا التشريف الدنيوي.
والاصطفاء العام هو اصطفاء دنيوي وليس اختياراً أخروياً؛ ولهذا فإن قريشاً مثلاً اصطفاهم الله، لكن فيهم البر والفاجر، ففيهم أبو جهل وغيره؛ ولهذا كانت لهم القيادة حتى في جاهليتهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (قريش قادة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة) وهذا الاصطفاء يعلق به بعض الأحكام الشرعية؛ لأنه من أحكام في الدنيا، مثل الإمامة -مثلاً- في قريش، ومثل قوله: (قدموا قريشاً ولا تقدموها) ونحو ذلك.