قال: [وهو العلي لا تحده جهه ضل المعطلة كذا المشبهه] وهذا إثبات لصفة العلو، فالله سبحانه وتعالى أخبر عن نفسه بذلك في ثماني عشرة آية من آيات كتابه، وهذه الصفة تنقسم إلى قسمين: علو حسي، وعلو معنوي.
فالعلو الحسي: هو استواؤه على عرشه وارتفاعه فوق خلقه، والعلو المعنوي: هو القهر والكبرياء والعظمة.
والعلو جاء إثباته بلفظ العلو، وجاء إثباته بالفوقية، والفوقية أيضاً تأتي بالمعنيين: تأتي حسية ومعنوية، فالحسية مثل قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50] ، ففي هذه الآية إثبات صفة الفوقية الحسية، وأما الفوقية المعنوية فمثل قوله تعالى في أتباع عيسى: {وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:55] فهذه الفوقية ليست حسية، بل المقصود بها الفوقية المعنوية بالترفع عليهم فقط.
وكذلك فوقية الله سبحانه وتعالى على خلقه فوقية حسية وفوقية معنوية: فوقية حسية بارتفاعه وعلوه واستوائه على عرشه، وفوقيته المعنوية بمخالفته للحوادث وقهرهم بإحاطته بما هم فيه.
لكنه مع إثبات صفة العلو أراد أيضاً أن يأتي بما ينفي التشبيه فقال: (لا تحده جهة) فالعلو جهة، وهي جهة فوقية مثبتة لله سبحانه وتعالى، لكن لا تحده، وهنا يقال: إن القاعدة: أن الجهة من الألفاظ التي يفصل فيها، فإن قصد بها مطلق الفوقية دون حد فنسبتها لله سبحانه وتعالى صحيحة، وإن قصد بها الحيز واحتواء مكان فهي ممنوعة مستحيلة.
فإذاً: الفوقية إثبات للجهة دون حد؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية حين سألها: (أين الله؟ فأشارت بأصبعها إلى السماء) ، وهنا لم يقصد امتحانها بصفة الفوقية أبداً، إنما قصد امتحانها في وجود الله سبحانه وتعالى والإقرار به.