Q النهي عن البحث في الكيفيات، هل يتعلق أيضاً بالملائكة كتكليم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، هل يجوز البحث في كيفيته أم لا؟
صلى الله عليه وسلم المخلوق مطلقاً البحث في كيفيته إذا كان مما يتعلق به فائدة للإنسان لا حرج فيه شرعاً؛ فلذلك البحث في كلام جبريل وعن نزول الوحي لا حرج فيه، ولهذا سأل الحارث بن هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفيته، ولو كان مما لا ينبغي السؤال عن كيفيته لما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي الجليل على السؤال عنه، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم الكيفية، فذكر أنه أحياناً يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس، فلا يرى ملكاً ولا يستطيع أن يستوعب الكلام في ذلك الوقت، بل يسمع مثل صوت السلسلة الثقيلة على الحجر الصلب؛ ولهذا فإن من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانوا عنده ونزل عليه الوحي على هذه الصورة يسمعون مثل أزيز النحل، كما كان عمر يسمعه، فيعرف أن هذا هو الوحي قد نزل ذاك الوقت، وهذا مما يمكن تفاوت الناس فيه بتفاوت قوتهم الروحانية، فمن كان ضعيف الروحانية لا يمكن أن يحس بشيء من هذا أصلاً، ومن كانت روحانيته قوية فإنه يمكن أن يسمع مثل أزيز النحل كما حصل لـ عمر، ومن قوى الله روحانيته بأكثر من هذا كرسول الله صلى الله عليه وسلم سمعه مثل صلصلة الجرس، وتفاوت الناس في السماع إنما هو بتفاوت قوة الروحانية؛ لأن الملائكة من عالم الأرواح.
وهذه الهيئة بين فيها الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليست في كل القرآن، بل يأتيه الوحي أيضاً عن طريق الملك فيكلمه فيعي عنه ما يقول، ولم يرد أنه ألقى إليه كلاماً من القرآن بحضرة أحد، بل كان يأتيه بصورة الملك فيكلمه ويسمع الناس التناجي بينهما، سولكن لا يسمعون شيئاً مما قال الملك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه به خشية أن ينساه، حتى أنزل الله عليه هذه الآية: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:16-19] ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرق وقت نزول الوحي بصورة الملك، فإذا انطلق الملك عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان، فيقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأه جبريل.