صنيع الشيخ هنا أن الصفات المتقابلة من صفات الله سبحانه وتعالى يذكرها في حيز واحد؛ ليكون ذلك أسهل لفهمها واستيعابها، فعندما ذكر صفة الكلام ذكر الصفة التي تقابلها وهي صفة السكوت، وهي أيضاً صفة كمال؛ لأن السكوت يقتضي المعرفة بما يسكت عنه؛ ولذلك يقول عبد الله بن الزبعرى رضي الله عنه: فإن أحلف ببيت اللـ ـه لا أحلف على إثم ما من إخوة بين قصور الشام والردم كأمثال بني ريطـ ـة من عرب ومن عجم هشام وأبو عبد مناف مدره الخصم وذو الرمحين أشباك من القوة والحزم يكن القول في المجلس أو ينطق عن حكم فالسكوت إذا كان عن علم فهو صفة كمال، وهذه الصفة لم ترد في القرآن، ولكنها وردت في حديثين: أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) وهذا الحديث وإن كان في إسناده شيء، لكن معناه يشهد له قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} [المائدة:101] ، وكذلك يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) .
والحديث الثاني: هو قوله صلى الله عليه وسلم: (وما سكت عنه فهو مما عفا عنه) فهذا أيضاً شاهد للسابق في إثبات صفة السكوت، وكلا الحديثين يصل إلى درجة الحسن فيكون بذلك صحيحاً لغيره.