إثبات صفة الطبع لله عز وجل

وقوله: (يطبع) كذلك الطبع على القلوب هو صفة فعلية مثل سابقتها، والله سبحانه وتعالى أثبته لنفسه بقوله: {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبة:93] وهذا الطبع هو الختم عليها بطابع النفاق نسأل الله السلامة والعافية، فتكون هذه القلوب مطبوعاً عليها لا يمكن أن يدخلها خير: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [محمد:16] فلا يمكن أن يصلها الخير.

ومن هنا فإن الناس في الذكرى ينقسمون إلى أربعة أقسام: القسم الأول: هم الذين يسمعون الذكرى بآذانهم فتنقلها بكل أمانة إلى قلوبهم فينتفعون بالذكرى، وفيهم يقول الله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنْ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس:11] وقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] وقوله تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:10] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} [الفرقان:73] وقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:17-18] هؤلاء هم الذين ينتفعون بالذكرى.

القسم الثاني: هم الذين لا يتحملون سماع الذكرى أصلاً، حتى آذانهم لا تتحمل سماعها فيفرون منها كما يفرون من الأسد، وهؤلاء هم المشركون الذين قال الله فيهم: {فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفََرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:49-50] والقراءة الأخرى: {مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر:50] التي تقرءون بها.

والقسورة الأسد، فهؤلاء لا يمكن أن تخالط الذكرى أسماعهم.

القسم الثالث: قوم يسمعون الذكرى بآذانهم ولكنها لا تصل إلى قلوبهم؛ لأن قلوبهم مطبوع عليها، فالآذان تسمع الذكرى لكن لا تتجاوز تراقيهم، فالقلوب مختوم عليها من هنالك، والختم حول التراقي أو النحور كما في أحاديث الخوارج، وهؤلاء هم المنافقون الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً} [محمد:16] فالقلوب لم تستفد.

القسم الرابع: الذين يفصلون في الذكرى، فيقبلونها من بعض الناس دون بعض، إذا رأوا من يعجبهم شكله أو يعرفونه قبلوا الذكرى منه، وإذا رأوا آخر فسمعوا منه خيراً لم يقبلوه؛ لأنه ليس في ذلك المحل! وهؤلاء هم مرضى القلوب الذين ابتلاهم الله بالكبر والعجب، وصفتهم مثل صفة قريش حين قالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:31-32] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015