فأقول: لا يخفى على الفقيه البصير أن الاستثناء المذكور فيه مخالفتان:
الأولى: الإعراض عن الروايات المفسرة والمقيدة بجواز صيامه مقرونًا بيوم قبله أو بعده.
والأخرى: النهي المطلق عن إفراد صوم يوم الجمعة، ومن المعلوم أن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يأت ما يقيده، فإذا قيد بقيد لم يجز تعدّيه، ولا يصلح تقييد النهي هنا بما جاء من الفضل في صوم يوم معين -كعرفة أو عاشوراء أو أيام البيض- لمخالفته لقاعدة: الحاظر مقدم على المبيح، مثل صيام يوم الإثنين أو الخميس إذا اتفق مع يوم عيد الفطر أو أحد أيام الأضحى، فإنه لا يصام، لا لنهي خاص بهذه الصورة وإنما تطبيقًا للقاعدة المذكورة، وما نحن بصدده هو من هذا القبيل.
كتبت هذا -بيانًا وأداءً للأمانة العلمية- بمناسبة أن الحكومة السعودية أعلنت أن يوم عرفة سيكون يوم الجمعة في موسم سنة (1411 هـ) ، فاضطرب الناس في صيامه، وتواردت عليّ الأسئلة من كل البلاد، وبخاصة من بعض طلاب العلم في الجزائر، فكنت أجيبهم بخلاصة ما تقدم، فراجعني في ذلك بعضهم بكلام الحافظ، ففصلت له القول تفصيلًا على هذا النحو، وذكرته ببعض الروايات التي ذكرها الحافظ نفسه، وأحدها بلفظ: ".. يوم الجمعة وحده، إلا في أيام معه". وفي شاهد له بلفظ: "إلا في أيام هو أحدها". فالجواز الذي ذكره الحافظ يخالف القاعدة والقيد المذكورين.
وبهذه المناسبة أقول: إن هناك حديثًا آخر يشبه هذا الحديث من حيث الاشتراك في النهي مع استثناء فيه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم.."، وهو حديث صحيح يقينًا، ومخرج في "الإرواء" (رقم 960) ، فأشكل هذا على كثير من الناس قديمًا وحديثًا، وقد لقيتُ مقاومة شديدة من بعض الخاصة، فضلًا عن العامة، وتخريجه عندي كحديث الجمعة، فلا يجوز أن نضيف إليه قيدًا آخر غير قيد "الفرضية" كقول بعضهم: "إلا لمن كانت له عادة من صيام، أو