قلت والله هذه حلى مولانا الأستاذ الذي عرف للزمان فعله. وفهم قوله. قد استعارها أبو الطيب وحلى بها مخدومه سيف الدولة وكيف أستطيع ارشاد شيخي لطريق الصبر. وأذكره بالثواب والجر. وأنا الذي استقيت من ديمه. واهتديت إلى سبيل المعروف بشيمه. سلكت جادة البراعة بهداية ألفاظه. وارتقيت إلى سماء البلاغة برعاية ألحاظه. وهل يكون التلميذ معلماً. أم هل يرشد الفرخ قشعماً. وكيف يعضد الشبل الأسد. وهو ضعيف المنة والمدد. ولم يعلم الثغر الابتسام. والصدر الالتزام. ويختبر الحسام. وهو المجرب الصمصام. وهل تفتقر الشمس في الهداية إلى مصباح. وهل يحتاج البدر في سراه إلى دلالة الصباح. ذلك مثل شيخي ومن يرشده إلى فلاح ونجاح. وإنما نأخذ عنه ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة. ونحذو حذوه في الطريق الموصلة إلى الجنة. ومن فصول هذا الكتاب ولما وصلني سيدي بهديته التي أحسن بها من كتاب الاكتفا. داخل طبعي الصفا. ونشطت إلى نظم بيتين فيهما التزام عجيب لم أر مثله وهو أن يكون اللفظ المكتفي به بمعنى اللفظ المكتفى منه فإن الاحتفا والاحتفال بمعنى الاعتناء كما أفاده شيخي فيكون على هذا الاكتفاء وعدمه على حد سوا إذ لو قطع النظر عن الاحتفال لأغنى عنه لفظ الاحتفا مع تسمية النوع فيهما وهما قوله

إن احتفال المرء بالمرء لا ... أحبه إلا مع الاكتفا

مبالغات الناس مذمومة ... فاسلك سبيل القصر في الاحتفا

ولقد انقطع الثلج أيام الخريف وكانت الحاجة إليه شديدة بعد غيبة سيدي. عن دمشق فتذكرت شغف شيخي به فزاد على فقده غرامي. وفاض عليه تعطشي وأوامي. فجعلت في ذلك عدة مقاطيع وأحببت عرضها على سيدي أولها.

ثلج يا ثلج يا عظيم الصفات ... أنت عندي من أعظم الحسنات

ما بياض بدا بوجهك إلا ... كبياض بدا بوجه الحياة

ثانيها

قد قلت لما ضل عني رشدي ... وما رأيت الثلج يوماً عندي

لا تقطع اللهم عن ذا العبد ... أعظم أسباب الثناء والحمد

ثالثها

ثلج يا ثلج أنت ماء الحياة ... ضل من قال ضر ذاك لهاتي

ما بياض بدا بوجهك إلا ... كبياض قد لاح في المرآة

قد رأى الناس وجههم في المرايا ... ولقد فيك شمت وجه حياتي

وما عللت سيدي هذا التعليل. إلا لأسوقه إلى نسيم دمشق الذي خلفه سيدي عليلاً وهو على الصحة غير عليل. ولم يشف أعزه الله من الغليل. ولسيدي الدعاء بطول البقاء والارتقاء. وهذه أبيات أحدثها العبد في وصف القهوة طالباً من سيدي أن يغفر خطاءه فيها وسهوه. وهي قوله

وقهوة كالعنبر السحيق ... سوداء مثل مقلة المعشوق

أتت كمسك فائح فتيق ... شبهتها في الطعم كالرحيق

تدنى الصديق من هوى الصديق ... وتربط الود مع الرفيق

فلا عدمت مزجها بريق

انتهى ومن مطولاته قوله مادحاً حضرة يحيى أفندي المكرم

لا يسلني عن الزمان سؤول ... إن عتبي على الزمان يطول

طال عتبي لطول عمر تجنيه ... فعتبي بذنبه موصول

أنست بي خطوبه فلو اغتا ... ل سواي لغرة التبديل

وأحاطت سهامه بي حتى ... سد طرق السهام مني النصول

ابتغى صفوة الليالي دلالاً ... وسواد الليال ليس يحول

أنا يا دهر لست إلا قناة ... لم يشنها لدى المكر النحول

إن أكن في الحضيض أصبحت أني ... في ذرى الأوج كل حين أجول

فطريقي هي المجرة في السير ... وعند السماك إني المقيل

صنت نفسي ترفعاً وبعذري ... فكثير الأنام عندي قليل

فإذا قيل لي فلان تراه ... ذا جميل أقول صبري الجميل

وفرت همتي عليّ وعزمي ... ماء وجهي بسيف عرضي صقيل

إن عرفت الأنام قدماً فلما ... دهمتني أنت وعندي الدليل

سلبتني بالغدر كل جميل ... غير فضلي ففاتها المأمول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015