ذكر إبراهيم بن عرفة في تاريخه أنه قدم جرير، والفرزدق على هشام بن عبد الملك بن مروان، فمدحه الفرزدق، فأمد له بأربعة آلاف درهم فتسخطها، وهم بردها، م تمثل بقول زهير: [الطويل]
ومنْ يجعل المعروفَ منْ عرضِه ... يفرهُ ومن لا يتقي الشتم يُشتمِ
فقيل لجرير إن الفرزدق أعطى مثل ما أعطيت، وتمثل. ممثل ما تمثلت به، فقال أما علمت أن شيطاننا واحد، يلم به مرة، ويلم بي أخرى.
ويشهد لك ما روى أبو الظاهر الدمشقي بإسناده: أن الفرزدق وجريراً اصطحبا فعطف جرير بناقته ليبول، وتخلف، فخنت ناقة الفرزدق، فقال الفرزدق: [الوافر]
علامَ تلتفتينَ وأنتَ تحتِي ... وخيرُ لناس كلهم أمامي
متَي تأتي الصرافةَ تستريحي ... منَ الإدلاجِ والدَّبَر الدوامي
ثم قال كأني بابن المراغة قد سمع هذين البيتين، فقال: [الوافر]
تلفتْ إنها تحتَ ابن فينٍ ... برأسِ الكبرِ والناس اللهامِ
متى تأتي الرصافةَ تحرْ فيها ... كجريك في المواسمِ كلَّ عامِ
فلما لحق بهما جرير، قال له الرواية ت يا أبا حزرة أما سمعت ما قال أخوك أبو فراس، وأنشد البيتين الأولين، فأطرق جرير، تم جاء بالبيتين الأخيرين، فقال روايته لعنكما الله، شيطانان يعلم كل واحد منهما ما في نفس صاحبه.
كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون مع شيء أهداه إليه: [الطويل]
على العبدِ حقٌ فهو لا بدَّ فاعلُ ... وإنْ عظُمَ الموْلَى وحلتْ فضائلُهُ
ألمْ ترنا نهدي إلى الله مالهُ ... وإن لم كان في وسعنا ما يشاكلُهْ
ولو أننا نهدي على قدرٍ حقهُ ... لقصر على الصبرُ عنهُ وناهلهُ
ولكننا نهدي على من نجلُّهُ ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكلُهُ
آخر: [الوافر]
تنوقْ في الهدية كلُّ قومٍ ... إليكَ غداةَ شريكَ للدواءِ
فلما أن هممتْ بها مدلاً ... لموضع خدمتي بكَ والإخاءِ
وجدتُ كثيرَ ما أهدي قليلاً=لمثلكَ فاقتصرتُ على الدعاءِ آخر: [الوافر]
تنوقُ من ثيابكَ في الهدايا ... إليَ غداة قصد الباسليقِ
فلم أر كالدعاء أعمَّ نفعاً ... وأجملَ في مكافأة الصديقِ
فاعديُ الثنا وقلتُ ربي ... يعذُكَ منْ شرِّ أنَّاتِ العروقِ
آخر: [البسيط]
اسعدْ بشربكَ في النيروزِ مصطحباً ... لا زلتَ تلقى من الأيامِ ما صلحا
لازلتَ تلقى منَ الايام صالحةً ... تُبقي السرورَ وتنفي الهمَّ والترحَا
إني لا استصغر لدنيا بأجمعها ... هدية لك إلا الشكرَ، والمدحَا
آخر: [السريع]
هديتي تصغرُ عنْ همتي ... وهمتي تكبرُ عنْ مالي
فخالصُ الودِّ ومحضٌ الوفاءِ ... أفضلُ ما تهديهِ أمثالي
أهدى أبو تمام الطائي إلى الحسن بن وهب قلما وكتب معه: [الخفيف]
قدْ بعثتا إليكَ أكرمَك الله ... بشيءٍ فكنْ لهُ ذا قبولِ
لا تقسه إلى ندى كفكَ الغُمرِ ... ولا نيلكَ الكثير الجليلِ
واغتفر قلة الهدية مني ... إن جهدَ المقِلِّ غيرُ قليلِ
للبحتري: [الطويل]
ألنتَ لي الأيام منْ بعد قسوةٍ ... وأعتبَتْ لي دهري المسيء فاعتبَا
وألبستني النعمي، التي غيَّرت أخي ... عليَّ فأمسى نازِحَ الودِّ أجنبَا
فلا فُزت مِنْ مُرِّ الليالي براحةٍ ... إذا أنا لم أصبِحْ بنثرِكَ مُعتِبَا
غيره: [الطويل]
أخي لي كأيامِ الحياةِ أخاوةً ... تكونُ ألواناً علي خطوبها
إذا عبتُ منهُ خلةً فهجرتُهُ ... دعتني إليهِ خلةٌ لا أعيبُهَا
ذكر أبو بكر الخطيب في تاريخه عن سهل بن ميسرة: أنه لما رجع أبو العباس عبد الله بن طاهر من الشام، ارتفع فوق سطح قصره، فرأى دخاناً يرتفع في جواره، فقال لعمرويه ما هذا الدخان؟ فقال: أظن القوم يخبزون.
فقال: ويحتاج جيراننا إلى أن يتكلفوا ذلك، ثم دعا حاجبه فقال: امضي ومعك كاتب، وأحصِ موالينا ممن لا تعطيهم [88] عنا فسارع فمضى، وأحصاهم، صغيرهم وكبيرهم فبلغ جمدهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم. بمنوين خبزاً ومنا لحماً، وثمن التوابل في كل شهر عشرة دراهم، والكسوة في الشتاء مائة وخمسون درهماً، وفي الصيف مائة درهماً فكان ذلك دأبه مدة مقامه ببغداد.