فوقع في قلبي الإسلام ورغبت فيه، فلما أصبحت شددت على راحلتي، وانطلقت في طلب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كنت ببعض الطريق، أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، فلما دخلت المدينة سألت عنه، فقالوا: في المسجد، فأتيت المسجد فأنخت راحلتي على الباب، ثم دخلت المسجد، فإذا النبي عليه السلام جالس، وأصحابه، فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله عليك، قال ادن، فلم يزل يدنيني، حتى صرت بين يديه، ثم قال: قل: فأنشأت أقول: [الطويل]

أتاني بجنٍّ بعدَ هدءٍ ورفدةٍ ... ولمْ يكُ فيما قدْ بلوتُ بكاذبِ

ثلاثُ ليالٍ قولهُ كلَّ ليلةٍ ... أتاكَ رسولٌ منْ لؤيّ بنِ غالبِ

فشمَّرتُ منْ ذيلي الإزارُ، ووسَّطتُ ... بي الذُّغلبَ الوجناءَ بينَ السَّباسبِ

فأشهدُ أنْ الله لا شيء غيرهُ ... وأنَّكَ مأمونٌ على كلِّ غائبِ

وأنَّكَ أدنى المرسلينَ وسيلةً ... إلى الله يا ابنَ الأكرمينَ الأطايبِ

فمرنا بما يأتيكَ يا خيرَ منْ مشى ... وإنْ كانَ فيما جاءَ شيبَ الذوائبِ

وكنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ... سواكَ بمغنٍ عنْ سواد بن قارب

قال: ففرح رسول الله ((صلى الله عليه وسلم) بإسلامي فرحاً شديداً، وأصحابه، حتى رؤي الفرح في وجوههم، فقام إليه عمر فالتزمه وقال: والله لقد كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك، أخبرني عن رؤيتك اليوم، قال: منذ قرأت كتاب الله، فما رأيت شيئاً، فقال عمر: ونعم العوض كتاب الله من الجن.

قال رجاء بن حيوة لعبد الملك بن مروان في أسارى بن الأشعث: إن الله قد أعطاك من الظفر، والقهر ما تحب، فأعطه ما تحب من الصفح، والعفو، بعض الشعراء: [الطويل]

عطفتْ عليكَ النفسُ، حتَّى كأنَّما ... بكفَّيكَ بؤسٌ، أو لديكَ نعيمها

تبعتكَ، إذ عيني عليها غشاوةٌ ... فلمَّا انجلتْ قطعتٌ نفسي ألومها

فإنِّي عن أقصيتني منْ ضراعةٍ ... ولا افتقرتْ نفسي إلى ما تسومها

قيل لعبد الله بن الأهتم ما السؤدد قال: رفع الأولياء، وحط الأعداء، وطول البقاء مع القدرة، والنماء، إذا قصرت بداك عن المكافآت فليبطل لسانك بالشكر. [7] قيل: جلس المأمون مجلساً عاماً فقام إليه غلام من البرامكة، فقال: أحلنا سخط أمير المؤمنين المأمون، الماضي بدار هوان، فنحن بها يطرقنا الذل، وقد ألفت أنفسنا ذلك، فنحن، كما قالت بنت النعمان: [الطويل]

فبينا نسوسُ النَّاس، والأمرُ أمرنا ... إذْ نحنُ فيهم سوقةٌ نتنصَّفُ

فأمر بانصرافه وبره. قال بزرجمهر: رأيت من أنوشروان خليقتين مباينتين لم أر مثلهما، رأيته يوماً، وقد دخل عليه بعض أساورته فتجاوز مرتبته، فأمر به، وحرم عطاءه، ثم رأيته، وأنا معه على سرير الملك في شيء من تدبير المملكة، فارتفع أصوات الخدم وحركة الحشم، فقطعونا عما كنا فيه.

فقلت أيها الملك رأيت بالأمس قد أمرت بفلان مع خدمته لأجل تجاوز اليسير من مرتبته، وأراك ساكناً، عن هؤلاء الخدم مع ضآلة حرمتكم وعظيم حرمتهم.

فقال: يا بزرجمهر إنا معاش الملوك حكام على رعيتنا وخدمنا، حكام على أرواحنا، فيكون منا في خلوتنا من التبدل ما لا طاقة لنا بدفعه عنا، فإن منعناهم وضيقنا عليهم تمنوا الراحة منا، وأمكنهم ذلك في المأكول، والمشروب، والملبوس فنحن نتجاور لهم عن الزلة، ونغفر لهم الخطيئة إشفاقاً على أرواحنا، فخر بزرجمهر ساجداً وقال: حق على من أخذ الملك بالسيف أن يكون عبداً لمن أخذه بالرأي، والحكمة وحسن التدبير.

قال سهل بن سعد الساعدي: لقيني رجل من أصحابي، فقال: هل لك في جميل؟ فإنه مثقل، فدخلنا عليه، وهو يجود بنسفه، فقال: ما تقول في رجل لم يزن قط، ولم يشرب الخمر، ولم يقتل النفس، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: أظنه نجا، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا، قلت: والله ما سلمت، وأنت منذ عشرين سنة تشبب ببثينة، قال: إني في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط، فما قمنا، حتى مات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015