إذ عطس عطسة ضئيلة، فلحظه عبد الملك بن صالح لحظة منكرة لم يدر العاطس ما سببها، فلما انصرف الوفد: قال له: الرجل رأيت عينيك تلحظاني لحظاً منكراً، فما سببه؟، فقال له: فهلا إذا كان منخراك ضيقين وخيشومك في كرارتها خيشوم الأرنب، اتبعت عطستك اتبعت عطستك بصيحة تخلع به قلب العلج، ثم أنشد، قول العتابي في الرشيد: [المتقارب]
جهيرُ العطاس شديدُ النياط ... جهير الرواء جهيرُ البعسمِ
ويخطو على الأينِ خطو الظليمِ ... ونمى السماط بجسم عميمِ
وأنشد أبو عمرو بن العلاء لرجل من الخوارج، في وصف شبيب بن يزيد الخارجي، المعروف بابن الديلمية، وكان شبيب يصيح في الخيل إذا أتته، فلا يلوي أحد إلى أحد: [البسيط]
إن صاح يوماً حسبت الصخر منحدراً ... والريح عاصفة والبحر ملتطماً
شكا بعض الناس إلى صديق له رجلاً ما يلقاه من شره، فقال له: اصبر عليه واحتمله، وأنشد: [الطويل]
فلو كان منهُ الخير أو كان شرهُ ... عتيداً جعلتُ الخيرَ منهُ مع الشر
ولكنهُ شر ولا خير عندهُ ... وليس على شرٍّ إذا دام من صبرِ
مر رجل ببعض الولاة، وهو يعذب قوماً في الخراج، ويصل قوماً بدراهم، فقال له: إن كنت تصل من ترحم فارحم من تعذب، قال رجل لعمر بن [55] الخطاب (رضي الله عنه) يا أمير المؤمنين: أعطي الشعراء، فقال خير المال ما وقى العرض. قيل إنه أبطأ ابن عبدل الأسدي أياماً عن عبد الملك بن بشر بن مروان، وهو والي العراق.
فقال يا ابن عبد الله لم أرك منذ أيام، فقال أصلح الله أمير، كنت خطبت امرأة من أهلي فحلفت لا تتزوج بي، حتى أخرج حقها، وأقضي دينها، وأقتصي مالها، فخرجت إلى البادية فمدحت هذا، وهجوت هذا، وحمدت هذا، وذممت ذا، فلما فرغت أتيتها تنجز الوعد فملت لي رفعة فيها مكتوب أما والله لو كرهت يميني شمالي، ما وصلت بها شمالي. [الوافر] .
سيعيبكُ الذي حاولتَ مني ... إذا انتقصتْ عليكَ فقوي خبالي
كما أعياكَ معروفُ بن يشرٍ ... وكنتَ تعدهُ رأس مالي
فقال له عبد الملك: قاتلك الله ما أحسن ما ألطفت المسألة، وأمر له بمال وصرفه.
لما التاث عبد الله بن علي عم المنصور عليه، كتب إله: [الطويل]
وخدراء لوْ أطلقتها من عقالها ... تضايقَ عنها الأفق، والأفق واسعُ
فأين عليٌ ما بيننا من قرابة ... وراجعٌ فخيرُ المذنبينَ المراجع
فإنكَ إن وليتَ ذمةً بيننا ... خلافاً تولتكَ السيوف القواطع
قيل لعيسى عليه السلام، لو تزوجت يا روح الله، فيكون لك ولد، فقال الولد إن عاش كدني، وإن مات هدني، قال أمير المؤمنين على عليه السلام، لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن على مال، ولا تذروهن إلا لتدبير العيال، إن تركن، وما يردن أو ردن المهالك، وأذكن الممالك، لا دين لهن عند لذتهن، ولا ورع لهن عند شهوتهن، ينسين الخير، ويحفظن الشر، يتهاوين بالبهتان، ويتمادين في الطغيان، ويتصدين للشيطان.
بعض الحكماء قال: ما أطاع عرسه لم يرفع نفسه. وقال آخر اعص هواك، والنساء، واعمل ما شئت، وقال آخر: النساء شر كلهن، ومن شرورهن قلة الاستغناء عنهن، وقال أرسطاطاليس: القينة ينبوع الأحزان. نظمه أبو الفتح البستي: [المتقارب]
يقولون مالكَ لا تقتني ... من الذخرْ مالاً يفيدُ الغنى
فقلت وأفحمتهم في الجواب ... لئلاَّ أخافَ ولا أحزنا
يقال إن جمال الرجل في طي لسانه لا في طيلسانه. وقال عليه السلام: ما أكل من قدر على المعروف، وكانت له فيه نية، إذن له فين فإذا اجتمعت النية، والقدرة فهناك تمت السعادة، وله عليه السلام: من عاش أبصر في الأعداء بغيته، وإن يمت فله الأيام تنتصر.
قال بعض الحكماء: لو صور العقل لأظلم معه الشمس، ولو صور الحق لأمنا معه الليل، قيل لريض: ما تشتهي؟ أشتهي أن أشتهي.
مر بعض ملوك الفرس على شيخ كبير يغرس شجرة جوز، فقال له: يا هذا أتطمع أن تعيش لتأكل منها، فقال: لا، ولكن الدنيا سلمت إلينا عامرة. فندفعها إليهم عامرة. فقال الملك هذا حكيم أعطوه أربعة آلاف درهم، فقال الشيخ ما أسرع ما أدركت خير هذه الجوزة، فقال الملك أعطوه أربعة آلاف درهم أخرى، وأمسكوا لسانه، لئلا يتكلم بما يستحق به العطاء.