لا تحسبِ المجدَ تمراً أنتَ آكلهُ ... لن تبلغَ المجدَ، حتَّى تلعقَ الصَّبرا

وقال الدادكي يوماً لابن طران، وهو المعافى بن زكريا في مجلس محمد بن صالح الهاشمي، القاضي المعروف بابن أم شيبان: لم أفهم ما قلت، فقال ابن طران: صدقت إنك لم تفهم لو فهمت لم تناظر، ولكن علي أن أقول ما نفهم، وليس علي أن أقول ما تفهم، وإن أبيت فبيني وبينك، قول الشاعر: [البسيط]

عليَّ نحتُ القوافي من مقاطعها ... وما عليَّ لهمْ أن تفهمَ البقرُ

ونظر ابن المرزبان يوماً في شيء من مذهب مالك فبان ضعفه، فأنشد أبو حامد: [الطويل]

ومن يبتدعْ ما ليسَ من خيمِ نفسهِ ... يدعهُ، ويغلبهُ على النفسِ حتمها

وكان ابن كعب الأنصاري ينشد إذا رأى خصمه قد أعاد كلامه بلا زيادة مفيدة معه: [الطويل]

إذا ما انتهى تناهيتُ عندهُ ... أطالَ فأبلي أم تناهي فأقصرَا

قال أبو حامد كنت في مجلس ابن المغلس، فدخل بعض أصحاب أبي علي بن جبران، ثم جرى كلام في مسألة، فأساء صاحب ابن جبران الأدب وجانب حسن العشرة، فأقبل عليه ابن المغلس، فقال: إن كان جرأك علي قولي لك، إنك لعلم فأغنيت به علم البيطار الذي في ذنب الحمار، فخزي ذلك الحاضر، وتمنى أن تلقمه الأرض، وناظر أبو حامد أبا جعفر الأبهري فأنشد: [الطويل]

ألم ترَ أنَ الحقَّ يلقاكَ أبلجا ... وإنكَ تلقى باطلَ القولِ لجلجا

وأنشد علي بن محمد بن أيان في مناظرته: [الرجز]

عندَ الرِّهانِ يعرفُ الضّمارُ ... ويعرفُ السَّابقُ، والخوَّارُ

وناظر أبو حامد فانبرى الأبهري يتكلم مداخلا فأنشد: [الطويل]

فإن تكُ قيسُ قدَّمتكَ لنصرها ... فقد خزيت قيسُ وذلَّ نصيرها

ومن كلام أبي عيسى الورَّاق: من ظلم في المناصرة أنصفت منه الحجة، ومن قلّد في مذهبه حكم الخصوم في نفسه، ومن عدم القصد في نظره بعد عن إدراك بقيتة، ومن وضع شيئاً في غير موضعه، واعتقد في غير حقيقته، فقد ظلم نفسه وعقله ودل على سوء اختياره.

وتناظر المعافى، والدادكي يوماً فكثر تنحنح الدادكي بكلام كان يوعد فيه، فأنشد المعافى: [الطويل]

وإني امرؤ لا تقشعر دابَّتي ... منَ الذئبِ يعدو أو الغرابُ المحجّل

وقال أبو ظاهر الأنماطي أنا، والله معك، كما قيل: [المتقارب]

أريها السُّهى وتريني القمر

وأنشد بعضهم: [الطويل]

فلا تأمني سرِّي إذا ما أهنتني ... وإن كانَ مكنونُ الهوى قد صفا لكي

قال القاضي أبو حامد قال لي المهلبي يوماً، والمجلس غاصٌ بأعلام الناس، وهم يتكلمون، قل أيها الشيخ ما عندك؟ فأنشدت: [المتقارب]

أقولُ إذا استنطقتني غير معجم ... ولا ملجئي عياً ولا تاركاً قصداً

واسكت إجلالاً وأصمت عالماً ... وأنطق بالحسنى وأمحضك الودا

قال المهلبي: من يلومني على إدنائك، وتقريبك، وقلة الصبر عنك، أنت، والله العتيق وغيرك المفرق.

قال أبو حامد يوماً أمر لأبي علي الشابشتي افهم عن نفسك، ثم حاول أن يفهم عنك جليسك، فإنك أقرب إليك من غيرك وقال أبو زيد الحروزي لأبي عبد الملكي، وقد احتج في استدلاله بشيء: [الوافر]

إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزهُ إلى ما تستطيعُ

قال الواقدي: حدثني يونس بن محمد المظفري، عن يعقوب بن عمر بن قتادة قال: أخبرني محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: كان ثابت بن قيس الأنصاري رجلاً جهوري الصوت، يحب الجمال، والشرف، وكان قومه قد شرفوه بذلك، فلما أنزل الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) [لقمان: 18] انصرف ثابت من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ينتحب، فدخل بيته، وأغلق بابه وطفق يبكي، فافتقده النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبر بما فعل، فسأله عن سبب انقطاعه فقال: أنزل الله عليك: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) [لقمان: 18] وأنا أحب الجمال، وأحب أن أسود قومي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (إنك لست منهم، إنك تعيش بخير، وتدخل الجنة بخير) فلما قال ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج من بيته، وسر بما قال له، ثم أنزل الله: (ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول) [الحجرات: 2]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015