قال رجلُ لعليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يخطب: يا أمير المؤمنين صف الدّنيا لنا، فقال: ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صح فيها أثم، ومن مرض فيها ندم، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن.

وقف بعض الزهّاد على رجل يضحك الناس، فقال: يا هذا أما علمت أن لله يوماً يحشر فيه المبطلون، فلم تزل تعزف الكلمة في قلب الرجل، حتى مات.

قال بعض الحكماء: من كرمت عليه نفسه صغرت الدّنيا في عينه، روي أنّ دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلب في حمالات لزمته، فقال له: إنه عظم شانك، أن يستعان بك، أو يستعان عليك، ولست تصنع شيئاً من المعروف إلا، وأنت أكبر منه، وليس العجب من أن تفعل، ولكن العجب من أن لا تفعل.

وسأل بعضهم إنساناً في حاجة، فقال: إني مشغول عنك بكثرة الأشغال، فقال: لولا أنك مشغول بأشغالك هذه لما جئتك في شغل، ثم أنشده: [الطويل]

فلاَ تعتذرْ بالشُّغلِ عنَّا فإنَّما ... تناطُ بكَ الأشغالُ ما اتَّصلَ الشُّغلُ

وسئل رجلٌ لأسد بن عبد الله فاعتل عليه، فقال: أيّها الأمير إني سألتك من غير حاجة، فقال: وما حملك على ذلك؟ فقال: رأيتك تحت من لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن أتعلق منك بحبل مودة، واحتجت بعض الأمراء عن وافد إليه فكتب الوافد: الضرورة، والأمل أقدماني عليك ومع العدم لا يكون صبر عن المطالبة، والانصراف بغير فائدة شماتة الأعداء، فإنما نعم مثمرة، أو فلاة مريحة، والسلام.

روى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ثلاث من كن فيه أدخله الله في رحمته وآواه الجنة، وكان في كنفه: من إذا أعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) .

قال ابن الزبير جاء رجل إلى الأحنف بن قيس، وهو جالس في المسجد، فلطم عينه، فأخذ الأحنف عينه بيمينه، وقال بسم الله ما شأنك؟.

فقال لا، والله، إلا أن رجلاً من بني تميم لطمني، فحلفت بالله لأقتص من سيد بني تميم فقال: ويحك فهلا ذهبت إلى جارية ابن قدامة، فقد تضمن هذا حلم الأحنف، وتواضعه، وكيف أعتقد أن غيرة السيد ونصحه للرجل؟ كيف حلف ليقتصن من سيدهم؟ فأرشده إلى جارية ابن قدامة ليبرّ قسمه وإلا، فما كان قصده أن يؤذي جاره ابن قدامة، لأن هذا مما لا يليق بحلمه وعقله، ووقاره. كان ابن عطا يقول: الاحتيال في دفع البلاء زيادة في البلاء لبعضهم: [الطويل]

وكنتُ سعيدَ الجدِّ، إذ كنتُ حاضراً ... ومن يقتربْ منكمْ فداكَ سعيدُ

سأستعتبُ الأيَّامَ فيكَ لعَّلها ... ببعضِ الذي كنّا عليهِ نعودُ

أخبرنا شيخنا الإمام ناصح الإسلام أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني رحمه الله قال: أخبرنا أبو علي الحسن الحادذي قال: حدثنا المعافى بن زكريا الحريري قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثنا ابن المرزبان قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الجوهري قال: حدثنا عبد الله بن الضحاك، قال: حدثنا الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) وفد الشعراء إليه.

فأقاموا ببابه أياما لم يؤذن لهم، فبيتاهم كذلك يوما، وقد أزمعوا على الرحيل، أمر بهم رجاء بن حيوة، وكان من خطباء أهل الشام، فلما رآه جرير واقفاً على باب عمر، أنشأ يقول:

يا أيُّها الرجلُ المرخي عمامتهُ ... هذا زمانكَ فاستأذن لنا عمرّا

قال: فدخل، ولم يذكر من أمرهم شيئا، ثم مر بهم عدي بن أرطاه فقام إليه وقال: [البسيط]

يا أيّها الرجلُ المرخي مطيَّتهُ ... هذا زمانكَ قد مضى زمني

أبلغْ خليفتنَا إن كنتَ لاقيته ... إنِّي لدى الباب كالمصفودِ في قرن

لا تنسَ حاجتنا لقّيتَ مغفرةً ... قد طالَ مكثني عن أهلي وعن وطني

قال: فدخل عدي على عمر رحمه الله، فقال: يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وسهامهم، وأقوالهم نافذة، فقال: ويحك يا عدي مالي وللشعراء، قال أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم قد امتدح فأعطى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقال كيف قال امتدحه العباس بن مرداس السلمي، فأعطاه حلة قطع بها لسانه، قال: أتروي من شعره شيئا؟ قال نعم، فأنشده: [الطويل]

رأيتكَ يا خيرَ البَّريةِ كلَّها ... نشرت كتاباً جاءَ بالحقِّ معلِّما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015