بأنها " مدينة أولية (أزلية) شامخة البناء، وتسمى تيفاش الظالمة، وفيها عيون ومزارع كثيرة، وهي في سفح جبل، وفيها آثار للأول كثير، وعليها سور قديم بالحجر، ولها بساتين ورياضات، واكثر غلاتها الشعير " (?) ؛ ولعل أحمد بن يوسف لم يعرف تيفاش، وإن حمل النسبة إليها، فان توجهه لم يكن إلى الغرب، كما فعل أبوه وأقرباؤه من قبل، وإنما كان نحو المشرق.
فهو قد نشأ في ظل أبيه القاضي بمسكانه (?) ، ودرس عليه، وتقيل كثيراً من خطواته؛ ولعل شغفه بعلوم الأوائل إنما كان تأثراً به، واعتماداً على الكتب التي جمعها أبوه في تلك العلوم؛ إذ من المرجح أن ذلك الأب قد وجد في بلاط الموحدين ما وثق صلته بالفلسفة والطب والعلوم الطبيعية، فقد عاشر هنالك ابن الطفيل وابن رشد وابن زهر وغيرهم، من المقبلين - دون حرج - على تلك العلوم، في ظل الخليفة أبي يعقوب يوسف الموحدي. وما كاد أحمد يحرز مبادئ العربية والدين ويحفظ القرآن في قفصة حتى غادرها إلى تونس فسمع فيها على أساتذة منهم أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن جعفر المقدسي (?) وغادرها وهو صبي إلى مصر (?) - كما حدث هو عن نفسه - فكان من أهم شيوخه فيها موفق الدين عبد اللطيف البغدادي (?) (557 - 629/ 1162 - 1231) واختياره لموفق الدين شيخاً له يؤكد نمو الاهتمام لديه بالفلسفة والطب وسائر علوم الأوائل، فقرأ عليه وتفنن، لأن موفق الدين كان يجمع إلى معرفته بالفلسفة والطب اتقاناً للنحو واللغة العربية وعلم الكلام وغير ذلك من أنواع المعارف؛ ودخول موفق الدين عبد اللطيف إلى مصر مرتبط بالخلاف بين ابني صلاح الدين العزيز والأفضل، ومهاجمة العزيز لدمشق وحصاره لها دون أن ينال شيئاً، وعوده عنها في الثالث من شعبان 590/ 1194 إلى مصر، وفي صحبته موفق الدين (?) ، أي أن التيفاشي كان له من العمر حينئذ