وسرت من جزيرة ابن عمر إليها ستة أيام بلياليها لم أشاهد شمساً من السحب ولا أرضاً ولا جبلاً ولا وادياً ولا شجرة ولا مدرة إلا بالثلج، وكنّا نعبر على الأنهار وهي جامدة، ونستقي إذا أردنا الماء ونطبخه في القدور فنرى أعلاه جامدا وأسفله الذي يلي النار ذائبا؛ وأخبرت أن أقفال الحديد تنضّم أرياشها لشدة البرد حتى تفتح باليد.
قال: وأما أنا فوضعت يدي على شباك حديد في مدرسةٍ فوجدت كلذع النار، فرفعت يدي وقد بقي شيء من جلدة كفّي وأناملي على قضبان الحديد.
707 - دخل بعض الأعراب الجبل، فجعل أنفه يرعم من شدة البرد، فرفع يده ووجأه وقال: لا والذي جلّ وعلا ما رأيتُ عضواً أنتن منك ماءً، إذا جمد كل شيء فأنت تذوب، وإذا ذاب كلُّ شيءٍ فأنت تجمد.
708 - قال الأصمعي: دخلت على الرشيد هارون في يوم قرّ فقال: أنشدني أبلغ ما قيل في شدة البرد، فأنشدته لمرّة بن محكان السّعدي (?) :
في ليلة من جُمادى ذاتِ أندية ... لا يبصرُ الكلبُ من ظلمائها الطنبا
لا ينبحُ الكلبُ فيها غيرَ واحدةٍ ... حتى يلفَّ على خيشومه الذّنبا فقال: أريد أبلغَ من هذا، فأنشدته لأختِ عمروٍ ذي الكلب (?) :
لا ينبحُ الكلب فيها غيرَ واحدةٍ ... حتى الصباحِ ولا تسري أفاعيها فقال: أريدُ أبلغَ من هذا، فأنشدته (?) :
وليلةِ قرٍّ يصطلي القوسَ ربُّها ... وأسهمَهُ اللاتي بها يتنَّبل فقال حسبك ما بعد هذا شيء.
709 - ابن المعتز (?) :
جاء الشتاء بشمألٍ وصبا ... يلقاهما المقرورُ بالضدِّ