يرى نفسه بالذّم أولى لأنّها ... على المجد لم تلعق من الصّبر والألا
يرى هنا من رؤية القلب أي لا يشغل نفسه بعيب الناس وذمهم ويرى ذمه لنفسه أولى لأنها على المجد أي على تحصيل المجد وهو الشرف لم تلعق من الصبر والألا أي لم تتحمل المكاره وعبر عن تحمله ذلك بتناول ما هو مر المذاق كلعق الصبر وأكل الألا والصبر فيه ثلاث لغات وأصله بفتح الصاد وكسر الباء وجاز فيه إسكان الباء مع كسر الصاد وفتحها كما في كبد وكتف وهذه الرواية والآلاء بالمد وقصر للوزن وهو نبت يشبه الشيح رائحة وطعما.
وقد قيل كن كالكلب يقصيه أهله ... وما يأتلي في نصحهم متبذّلا
أوصى بعض الحكماء رجلا فقال: انصح لله كنصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحوطهم وما يأتلي ما يقصر من قولهم ما يألو جهدا، والنصح ضد الغش والتبذل في الأمر الاسترسال فيه لا يرفع نفسه عن القيام بشيء منه جليله وحقيره وهو بالذال المعجمة وبالله التوفيق.
لعلّ إله العرش يا إخوتي بقي ... جماعتنا كلّ المكاره هوّلا
ويجعلنا ممّن يكون كتابه ... شفيعا لهم إذ ما نسوه فيمحلا
أي لعل الله يقينا إن قبلنا هذه الوصايا وعملنا بها جميع مكاره الدنيا والآخرة وأهوالها ويجعلنا ممن يفوز بشفاعة الكتاب العزيز أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «القرآن شافع مشفع وما حل مصدق من شفع له القرآن يوم القيامة نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة أكبه الله في النار على وجهه»، وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: «عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها»، وفي الدعاء «ولا تجعل القرآن بنا ماحلا»، يقال محل به إذا سعى به إلى سلطان أو نحوه وبلغ أفعاله القبيحة.
وبالله حولي واعتصامي وقوتي ... وما لي إلّا ستره متجلّلا
حولي أي تحولي والاعتصام الامتناع والقوة القدرة، أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة»، وفسرها عليه الصلاة والسلام لابن مسعود: «لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله». قوله:
وما لي إلا ستره أي وما لي ما أعتمد عليه إلا ما جللني به من ستره في الدنيا وأنا أرجو مثل ذلك في الآخرة. وقوله: متجللا أي متغطيا به
فيا ربّ أنت الله حسبي وعدّتي ... عليك اعتمادي ضارعا متوكّلا
حسبي أي محسبي والمحسب الكافي والعدة بضم العين ما يعد للحوادث واعتمادي مصدر اعتمد عليه أي استعان به والضارع الذليل والمتوكل المظهر العجز معتمدا على من يتوكل عليه نظم في هذا البيت معنى حسبنا الله ونعم الوكيل.
باب الشيء هو الذي يتوصل إليه منه والاستعاذة الاستجارة، يقال: عاذ بكذا أي استجار به وليست من القرآن بالإجماع في أول التلاوة.