النداء بقوله: يا خير سامع أعذني، أي اعصمني من التسميع أي من السمعة قولا ومفعلا أي في قولي وفعلي:

إليك يدي منك الأيادي تمدّها ... أجرني فلا أجري بجور فأخطلا

لما مد يده حال الدعاء قال: إليك يدي أي إليك مددت يدي سائلا الإعاذة من التسميع والإجارة من الجور، وقوله: «منك الأيادي تمدها»، الأيادي النعم أي هي الحاملة والمسهلة لي على مد يدي، أجرني أي خلصني من الخطأ فإنك إن أجرتني فلا أجري بجور أي فلا أفعله، والجور الميل عن الحق، فأخطلا أي فأقع في الخطل وهو الكلام الفاسد.

أمين وأمنا للأمين بسرّها ... وإن عثرت فهو الأمون تحمّلا

لما دعا أمن على دعائه فقال: أمين، ومعناه استجب، وفيه لغتان قصر الهمزة وهو الأصل، ومدها وهو الأفصح، وهو مبني على الفتح، وقد حكي فيه التشديد، والأمن ضد الخوف والأمين الموثوق به والسر ضد العلانية، كأنه قال: اللهم استجب، وهب أمنا للأمين بسرها أي بخالصها ومن أمانته اعترافه بما فيها من الفوائد، وقوله: وإن عثرت إلخ أصل

العثار في المشي، ثم يستعمل في الكلام يقال: عثر في منطقه إذا غلط، والعثرة الزلة، وأضافها إلى القصيدة مجازا، وإنما يعني عثرة ناظمها فيها، والأمون الناقة القوية أي يكون الناظر في هذه القصيدة قويا بمنزلة هذه الناقة في تحمل ما يراه من زلل أو خطأ فيقيم المعاذير:

أقول لحرّ والمروءة مرؤها ... لإخوته المرآة ذو النّور مكحلا

أخبر أنه مخاطب للحر بما تضمنته الأبيات التي تلي هذا البيت، وأراد الحر الذي تقدم شرحه في قوله: هو الحر، فقال: أقول لحر أخي أيها المجتاز واعترض بين القول والمقول بقوله: والمروءة مرؤها إلى آخر البيت، والمروءة كمال المرء بالأخلاق الزكية، وهي مشتقة من لفظ المرء كالإنسان من لفظ الإنسانية، وقوله: مرؤها معناه رجلها الذي قامت به المروءة، وأشار بقوله والمروءة مرؤها لإخوته المرآة ذو النور إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن مرآة المؤمن»، وروي «إن أحدكم مرآة أخيه فإذا رأى شيئا فليمطه».

والمكحل الميل الذي يكتحل به:

أخي أيّها المجتاز نظمي ببابه ... ينادى عليه كاسد السّوق أجملا

هذا من المقول للحر نادى أخاه في الإسلام الذي جاز هذا النظم ببابه أي: مر به، كني بذلك عن السماع به أو الوقوف عليه إنشادا أو في كتاب، واستعار الكساد للخمول وكساد السلعة ضد نفاقها أي إذا رأيت هذا النظم خاملا غير ملتفت إليه فأجمل أنت أي ائت بالقول الجميل فيه.

وظنّ به خيرا وسامح نسيجه ... بالاغضاء والحسنى وإن كان هلهلا

أي ظن بالنظم خيرا لأن ظن الخير بالشيء يوجب حسن الاعتذار عنه، وسامح من المسامحة وهي ضد المشاححة، نسيجه يعني ناسجه أي ناظمه بالإغضاء أي بالتغافل والحسنى أي بالطريقة الحسنى، وإن كان هلهلا في نسيجه، والهلهل الخفيف النسج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015