وتأولوا قوله عَزَّ اسْمُهُ: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: من الآية90] على معنى: قد حصرت صدورهم1. وذهب آخرون إلى أن تقديره: أو جاءوكم رجالا أو قومًا حصرت صدورهم، فـ {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} الآن في موضع نصب لأنها صفة حلت محل موصوف منصوب على الحال، على أن في هذا بعض الضعف لإقامتك الصفة مقام الموصوف، وهذا مما الشعرُ وموضعُ الاضطرارِ أولى به من النثر وحال الاختيار, وإذا وقعت هذه الجملة بعد هذه الواو كنت في تضمينها إياه مخيرًا، فالتضمين كقولك: جاء زيد وتحته فرس، وترك التضمين كقولك: جاء زيد وعمرو يقرأ. وإنما جاز استغناء هذه الجملة عن ضمير يعود منها إلى صاحب الحال من قبل أن الواو ربطت ما بعدها بما قبلها، فلم تحتج إلى أن يعود منها ضمير على الأول ليرتبط به آخر الكلام بأوله، وإن جئت به فيها فحسنٌ جميلٌ؛ لأن فيه تأكيدًا لارتباط الجملة بما قبلها. فأما إذا لم يكن هناك واو فلا بد من تضمّن الجملة ضميرًا من الأول، وذلك نحو قولك: أقبل محمد على رأسه قلنسوة2، ولو قلت: أقبل محمد على جعفر قلنسوة، وأنت تريد: أقبل محمد وهذه حاله لم يجز؛ لأنك لم تأت بالواو التي هي رابطة ما بعدها بما قبلها، ولا بضمير يعود من آخر الكلام فيدل على أنه معقود بأوله. وإذا فقدت جملة الحال هاتين الحالتين انقطعت مما قبله، ولم يكن هناك ما يربط الآخر بالأول.

وعلى هذا قول الشاعر3:

نَصَفَ النهارُ الماءُ غامِرُهُ ... ورفيقه بالغيب لا يدري4

طور بواسطة نورين ميديا © 2015