وهذا الخلاف بين العلماء في آحاد الجموع سائر عنهم مطرد من مذاهبهم، وإنما سببه وعلة وقوعه بينهم أن مثال جمع التكسير تفقد فيه صيغة الواحد فيحتمل الأمرين والثلاثة ونحو ذلك، وليس كذلك مثال جمع التصحيح.
ألا ترى أنك إذا سمعت "زَيُدُون" و"عَمْرُون" و"خالِدُون" و"محمدُون" لم يعرض لك شك في الواحد من هذه الأسماء، فهذا يدلك على أنهم بتصحيح هذه الأسماء في الجموع معنيون، ولبقاء ألفاظ آحادها فيها لإدارة الإيضاح والبيان مؤثرون، وأنهم بجمع التكسير غير حافلين، ولصحة واحده غير مراعين، فإذا أدخل في جمع الواو والنون شيء مما ليس مذكرًا عاقلا فهو حظ ناله، وفضيلة خص بها، فلهذا صار جمع "قلة" و"ثبة" و"مائة" و"سنة" ونحو ذلك بالواو والنون تعويضًا لها من الجهد والحذف اللاحقها. ويؤكد عندك أن العناية بواحد جمع التكسير غير واقعة منهم وجودك جموعًا كسرت الآحاد عليها واللفظ فيهما جميعًا واحد، وذلك نحو ما حكاه سيبويه1 من قولهم: "ناقةٌ هِجان2، ونوقٌ هِجان" و"دِرْعٌ دلاص3، وأدرعٌ دلاص" وقالوا أيضًا في جمع "شِمال" وهي الخليقة والطبع: "شِمالٌ".
قال عبد يغوث4:
.............................. ... وما لَوْمي أخي من شِمالِيا5
أي: من شَمائلي.