وأنشد أبو الحسن1:

أبلغ أبا دختنوس مالكة ... غير الذي قد يقال مِ الكذب2

يريد أبو صخر: مِنَ الآن، ويريد الآخر: مِنَ الكذب. وقد حذفوا في نحو هذا النون التي هي لام الفعل لالتقاء الساكنين.

وأنشد قطرب، وقرأناه على بعض أصحابنا يرفعه إليه3:

لم يكُ الحقُّ سوى أنْ هاجَه ... رسمُ دارٍ قد تعفَّى بالسرَرْ4

أي: لم يكن الحق، وكان حكمه إذا وقعت النون موقعًا تحرك فيه، فتقوى بالحركة، أن لا يحذفها، لأنها بحركتها قد فارقت شبه حروف اللين إذْ كُنّ لا يكُنّ إلا سواكن، وحذف النون من "يكن" أقبح من حذف التنوين ونون التثنية والجمع، لأن النون في يكن أصل، وهي لام الفعل، والتنوين والنون زائدتان فالحذف فيهما أسهل منه في لام الفعل، وحذف النون أيضًا من يكن أقبح من حذف نون مِنْ في قوله:

............ ... غير الذي قد يقال مِ الكذب

لأن يكن أصله يكون، فقد حذفت منه الواو لالتقاء الساكنين فإذا حذفت منه النون أيضًا لالتقاء الساكنين أجحفت به لتوالي الحذفين لاسيما من وجه واحد عليه. ولك أيضًا أن تقول: إن "مِن" حرف، والحذف في الحروف ضعيف إلا مع التضعيف نحو: ربّ، وإنّ، وأنّ. هذا قول أصحابنا5 في هذا البيت. وأرى أنا شيئًا آخر غير ذلك، وهو أن يكون جاء بالحق بعدما حذف النون من يكن، فصار يك مثل قوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67] 6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015