فأما إذا كان الحرف مما لا يثبت في الوقف البتة مخففًا فهو من التثقيل في الوصل والوقف أبعد، ألا ترى أن التنوين مما يحذفه الوقف، فلا يوجد فيه البتة، فإذا لم يوجد في الوقف أصلا فلا سبيل إلى تثقيله، لأنه إذا انتفى الأصل الذي هو التخفيف، فالفرع الذي هو التثقيل أشد انتفاء.
فإن قلت: فما تقول أنت في ذلك؟
فالجواب: أن البيت يحتمل ثلاثة أوجه أجاز أبو علي جميعها:
فأحدها: أن يكون أراد ببيدا، ثم ألحق "إن" الخفيفة، وهي التي تُلحَق للإنكار في نحو ما حكاه سيبويه من قول بعضهم وقيل له: "أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ فقال: أأنا إنيه! منكرًا لأن يكون رأيه على خلاف الخروج"1 كما تقول: ألمثلي يقال هذا؟ أي: أنا أول خارج إليها، فكذلك هذا الشاعر أراد: أمثلي يُعرَّفُ ما لا ينكره، ثم إنه شدد النون في الوقف، ثم أطلقها وبقى التثقيل بحاله فيها على حد "سبسبا"، ثم ألحق الهاء لبيان الحركة نحو: {كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] و {حِسَابِيَهْ} [الحاقة: 20] و {اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] .
والوجه الآخر: أن يكون أراد "إن" التي بمعنى "نعم" في نحو قوله:
............ ... .... فقلت إنه2
أي: نعم، وأجل.
والوجه الثالث: أن يكون أراد "إنَّ" التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وتكون الهاء في موضع النصب، لأنها اسم إنَّ، ويكون الخبر محذوفًا، كأنه قال: إنَّ الأمر كذلك. وعلى هذا حمل أبو بكر3 قول الشاعر: