فالجواب: أن "العصف" في البيت "لا يجوز أن يكون مجرورا إلا بالكاف، وإن كانت زائدة، يدلك على ذلك أن الكاف في كل موضع تقع فيه زائدة، لا تكون إلا جارة، كما أن من وجميع حروف الجر في أي موضع وقعن زوائد، فلا بد من أن يجررن ما بعدهن كقولك: ما جاءني من أحد، ولست بقائم، فكذلك الكاف في مثل "كعصف" هي الجارة للعصف، وإن كانت زائدة على ما تقدم.
فإن قيل: فإذا جررت العصف بالكاف، فإلام أضفت مثلا؟ وما الذي جررت به؟
فالجواب أن "مثلا" وإن لم تكن مضافة في اللفظ، فإنها مضافة في المعنى، وجارة لما هي مضافة إليه في التقدير، وذلك أن التقدير: فصيروا مثل عصف مأكول. فلما جاءت الكاف تولت هي جر العصف، وبقيت مثل غير جارة ولا مضافة في اللفظ، وكان احتمال هذه الحال في الاسم المضاف أسوغ1 منه في الحرف الجار، وذلك لأنا لا نجد حرفا جارا معلقا غير عامل في اللفظ، وقد نجد بعض الاسماء معلقا عن الإضافة، جارا في المعنى غير جار في اللفظ، وذلك نحو قولهم: جئت قبل وبعد. وقام زيد ليس غير، وقد قالوا أيضا:
يا من رأى عارضا أسر به ... بين ذارعي وجبهة الأسد2
أي بين ذراعي الأسد وجبهته، وجئت قبل كذا وبعد كذا، وقام زيد ليس غيره.