فأما قولهم لفلان صيت إذا انتشر ذكره في الناس، فمن هذا اللفظ، إلا أن واوه انقلبت ياء لانكسار الصاد قبلها، وكونها ساكنة، كما قالوا ريح من الروح، وقيل من القول، وكأنهم بنوه على فعل، للفرق بين الصوت المسموع، وبين الذكر المتعالم، على أنهم قد قالوا أيضا: قد انتشر صوته في الناس، يعنون به الصيت1 الذي هو الذكر، والصيت في هذا المعنى أعم وأكثر استعمالا من الصوت، ولا يستعمل الصيت إلا في الجميل من الذكر، دون القبيح.
والصوت مذكر، لأنه مصدر بمنزلة الضرب والقتل والغدر والفقر.
فأما قول رويشد بن كثير الطائي:
يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت2
فإنما أنثه لأنه أراد الاستغاثة، وهذا من قبيح الضرورة، أعني تأنيث المذكر؛ لأنه خروج عن أصل إلى فرع، وإنما المستجاز من ذلك رد التأنيث إلى التذكير، لأن التذكير هو الأصل، بدلالة أن "الشيء" مذكر، وهو يقع على المذكر والمؤنث.
فعلمت بهذا عموم التذكير، وأنه هو الأصل الذي لا ينكسر.
ونظير هذا في الشذوذ قوله، وهو من أبيات الكتاب:
إذا بعض السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم3