سر الفصاحه (صفحة 122)

في موضعه وإن كان القصد بذلك إقامة العذر للمتنبي وترك الإنكار عليه إذ كان النهج الذي سلك فيه مطروقاً فليس هذا الرأي من معتقده بصواب لأن القول في استعارة أبي الطيب إذا كانت بعيدة غير مرضية كالقول في كل استعارة كذلك سواء كانت لمتقدم أو لمتأخر وليس يتميز قبحها بإضافتها إلى رجل من الرجال ولا زمان من الأزمنة وإنما هذا شئ يقع للعامة وأشباههم من أغمار الأدبار فيتخيلون أن للحسن ولقبح حكما يرجع إلى التاريخ ويتعلق بالإضافة ولا بد لنا من الكلام على هذا المذهب الفاسد فيما يأتي من هذا الكتاب في موضع مفرد يليق به وإن كانت الشبهة لا تعترض فيه لمحصل. ومن لم يعلم الصواب فيه ابتداء من نفسه فأجدر به ألا يعرف مواقع الأدلة عليه والحجج فيه لكنا نذكره هناك عل كل حال مستوفى مستقصى. فعلى ما قلناه ليس قول ابن احمر حجة لأبي الطيب لأنا نقول لهما جميعاً أخطأتما منهج الاستعارة وعدلتما عن الغرض المختار فيها.

وأما قول القاضي: إن الفصل الذي يتخيل بين استعارة أبي الطيب للطيب قلوباً واستعارة ابن أحمر للريح لباً إنما هو أن الريح لما خرجت بعصوفها عن الاستقامة شبهت بالأهوج الذي لا مسكة في عقله ثم لما كان مدار الأهوج على الالتياث في العقل حسن من هذا الوجه أن يجعل للريح عقلاً. فلعمري أن الأمر على ما ذكره وقد سهل بيت ابن أحمر بهذا التخريج الذي جرت به العادة وإن لم يكن حسناً ولا محموداً لكنه أصلح من قلوب الطيب لأن تلك الاستعارة لا وجه لها من عادة ولا غيرها وكذلك ما قاله في ساعد الدهر لأنه تأويل لا يستمر لأبي الطيب مثله.

فأما قوله: إنما يحمل ما جاء من ألفاظ المحدثين وكلام المولدين وزائلاً عن السنن على وجوه تقربهم من الإصابة وتقيم لهم بعض العذر فكأنه بهذا القول يخص المحدثين من المتقدمين وليس بينهم من هذا الوجه فرق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015