التحذير والأنذار والأهابة إلى الرشاد
رأى مولانا أن يأخذ بسنة الإعذار، ويحذر عاقبة الإصرار، ويقدم كلمة الاستظهار، ويلقي إليهم الإنذار، قبل الإنكار. من انقاذ لحكمه، ووقف عند رسمه، فقد حمى روحه وماله وأهله وحاله، ومن أضرم في الفتنة ناراً، ورفع لها مناراً، فقد أباح من نفسه المحذور، ومن ملكه الحجر المحجور، ولحقه ما يتركه سمعة رادعة، ومثلة وازعة. من تعدى طوره، وتخطى قدره، فلا انقباض بعد توقيفه، عن تثقيفه، وبعد الإعذار إليه، من الإنكار عليه، لا يألوهم نصحا، قد اعترضتهم سنة الغفلة دون تمثله، ولا يجزرهم وعظاً، قد خامرتهم سكرة الغرة قبل تقبله. قد قدم النذر، ونبذ العذر، زمجرة الليل قبل الإفتراس، ونضنضة الصل قبل الانتهاس، وإنباض النابل للنذير، وإيماض السائق للتحذير ابصروا رشدكم، واعرفوا قصدكم، قبل أن ينتقل معكم عن إنقاذ الكتب إلى تسريب الكتائب، وعن توجيه الرسل إلى إرسال المقانب. إن جعلت المراوغة حجاباً، وأصدرت بالمدافعة جواباً، أبدلناك الحسام، من الأقلام، والأفواج، من الأدراج، ولم نرض بغير الرماح رسلاً تختلف، ولا بغير السهام وسائط تتردد.
قد نكب عن وجه الرشاد على عين بصيرته بالأسداد. صم عن النذير، وقد أسمعه ووعظه، وأتى على النصيح وقد حذره وذكره، أبي له ضعف العقل والنحيزة، ولؤم الطبع والغريزة إلا إصراراً على طيشه وسفهه، واستمراراً في غيه وعمهه حتى كأن الوعظ أغراه، والرشاد أغواه. فلان جامح لا يرجع، ومضب لا ينزع، ومضر لا يقلع، أخذت العزة بسمعه وبصره، واقتطعته الحيرة عن تدبره وتبصره. يلقى الوصية بالاطراح، ويدفع الطاعة بالراح.