والأبدان. منذ أفل النجم الزاهر في أفق الملك وذوي الغصن الناضر من دوحة المجد، خوى نجم طلع في أفق الملك. وهوى بيد القضاء، عند انتهاء العمر، فاستوحش ربع مولانا بفقده، وذوى عود النجابة من بعده. على حين قويت فيه الظنون، وقرت به العيون. عرفت نادرة الزمان، في قرة عين الدهر، وثمرة فؤاد الملك، وقد خانت فيه يد الدهر واختطفته من حمى الملك وإنما نقله الله إلى جوار كرامته مثوبة بمولانا مقدمة، واعد له معوضة مسومة. وجعله فرطاً صالحا، ومتجراً رابحا. قد خبا ذلك الشهاب المضيء، وخوى ذلك الكوكب الدريء، فأغبرت وجوه النجابة، واستوحشت معاهد الإمارة.
ذكر احتضار الشبان
يا أسفي على فلان، وقد احتضر شبابه، ولم تغن عنه طراوته في العيون، وحلاوته في القلوب. قد احتضر فلان أنضر ما كان غصنا، واكمل ما كان حسنا، ما أتذكر إقبال شبابه مع اكتهال فضله، وجدة أيامه مع وفور عقله، إلا رأيت التعزي مستقبحا، والتسلي مستهجنا. يا لهفي على شباب مقتبل احتضر، وفضل مكتهل فقد، وجانب من المجد اختل وانتشر، ونجم من فلك الفخر هوى وغرب. قد اخترم عنفوان شبابه اختراما، نبهنا من سنة الاغترار وهدانا لوجه الاعتبار. انتقل إلى جوار ربه نقي الصحيفة من سواد الذنوب، بري الساحة من درن العيوب. لم تطل في الدنيا مدته، ولا اسودت في جرائدها صحيفته، ولا علقت به أجرامها، ولا جذبته أشطانها، لكنه وردها نجيباً رشيدا، وانصرف عنها مهدياً سعيداً. قد صانه الاحتضار، عن ملابسة الأوزار، وحاطه الاخترام، عن مقارفة الآثام. لو كان هذا الحمام يبدأ بإدارة كأسه في الأسلاف، ويتجافى عن الأخلاف، لخفت أعباؤه، بل طاب لقاؤه، ولكنه يدنو فينا ويبعد، ويهتصر منا ويحتطب.