ألمت فآلمت، وثملت فكلمت، وتركت النفوس مولهة، والعقول مدلهة. رزء هض وهاض، وأطال الانخزال والانخفاض، ولم يرض بأن فض الأعضاء حتى أفاض الدماء. رزء ملأ الصدور ارتياعاً، وقسم الألباب شعاعا، وترك العقول مجروحة، والدموع مسفوحة، والقوى مهدودة، وطرق العزاء مسدودة، ورزء نكأ القلوب وجرحها، وأحر الأكباد وأقرحها. مصيبة أقرحت الأكباد، وأوهنت الأعضاد، وسودت وجوه المكارم والمعالي، وأعادت الأيام في صور الليالي.
ذكر الانخزال وكسوف البال والجزع والتوجع والاكتئاب لحادث المصاب
كتبت عن أجفان شرقة بالدموع، ونيران متقدة بين الأحشاء والضلوع، وبنان تود لو بانت قبل أن تخط بذكر نازل الخطة، ونفس أشاطت بها بلابل الهموم المشتطة. كتبت والنفس في شدة الانخزال والكمد، وفقد الاصطبار والجلد، على ما لا يستطاع ذكره، فكيف يتحمل ثقله. ما لي يد تخط إلا بكلفة، ولا نفس تتردد إلا على غصة، ولا عين تنظر إلا من وراء قذى، ولا صدر ينطوي إلا على أذى. الدموع واكفة، والقلوب واجفة، والهم وارد، والأنس شارد، والناس مأتمهم عليه واحد، أين مني كندة تأسف على حجر، أم الخنساء تبكي على صخر. كم عبرة وزفرة، وأنة وحسرة، وكم تململ واضطراب، وكم اشتعال والتهاب. مصيبة أصبحت لها وقيذ غمة، وأخيذ كربة، ما أم سبعة ركبوا الجياد، وشهروا السيوف الحداد نعوا إليها قتيلا بعد قتيل، وعرضوا عليها صريعاً بعد صريع، بأشد مني انخزالا وأضعف بالا، وأدق تقلقلا، وأكثر تململا. ملك الجزع صبري وعزائي، وجعل ناظري في إسار بكائي، فالقلب دهش، والبنان مرتعش، وأنا من البقاء مستوحش. كتبت عن قلق يزيد ولا يفتر، وجزع يتضاعف ولا يضعف. انتهى بن الهلع إلى حيث لا التأسي مصحب، ولا التناسي مصاحب. انزعاج يحل عقود