المشيئة، فارتجعت تفي العطية، وخانته الأمنية، واستأثرت به المنية. كتبت له سعادة المحتضر، وانتهى به الأمر إلى الأجل المنتظر. علة ترامت به إلى انقضاء نحبه، ولقاء ربه. طرقه طارق المقدار، واختار الله له النقلة من دار البوار إلى دار القرار. تداولته العلل المتطاولة، وآلت به إلى ما كل نفس إليه آيله. أفضى من غضارة هذه الدنيا، إلى قرارة داره بالأخرى.
؟؟ ذكر النعي بالفقد
قد كان من الحق أن تنقبض الألسن عن هذا النعي لفادح وتخرس، وتقصر الأيدي عن التعزية بهذا الرزء الفادح وتيبس، يا سوء صباح أتى فيه الخبر فرأينا الرجاء قد انقطع، وأصم به الناعي وقد أسمع. نعي ورد فأكمد وفجع. ناعي الفضائل قائم، وأنف المحاسن راغم. نعي من لا أسميه إكباراً، ولا أكنيه إعظاما. فحقيق هو بأن تخرس نعاة فقده، وتحرم رسوم التعازي من بعده.
نعي الملوك والأجلة وذكر سوء آثار المصائب فيهم
أتى الناعي بانهداد الطود المنيع، وزوال الجبل الرفيع. قد نعته السماء صائحة، والأرض نائحة. كتبت والأرض راجفة، والشمس كاسفة، للرزء العظيم، والمصاب الجسيم، في فلك الملك، وركن المجد، وقريع الشرق والغرب. ما عسى أن يقال في الفلك الأعلى إذا انهار من جوانبه، وتهافت من مناكبه. أتى الناعي، وندبت المساعي، وقامت بواكي المجد، وكسفت شمس الفضل، وعاد النهار أسود، والعيش أنكد. غرب بموته نجم الفضل، وكسدت سوق الأدب، وقامت نوادب السماحة، ووقف فلك الكرم، ولطمت عليه المحاسن خدودها، وشقت عليه المناقب جيوبها. قد كانت الرزية بحيث مارت السماء مورا، وسارت الجبال سيرا، حتى شوهدت الكواكب