عباد الله! لما تمت بيعة العقبة الثانية، وعاد القوم إلى المدينة ينتظرون هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إليهم بتلهف كبير؛ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بالهجرة إلى المدينة واللحوق بالأنصار، فخرجوا أرسالاً -أي جماعات-
عباد الله! وكانت الهجرة إلى المدينة بوحي من الله تعالى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"رأيتُ في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي -أي ظني- إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب" (?).
وقالت عائشة - رضي الله عنها-: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: "وإني أريت دار هجرتكم، سبخة، ذات نخل بين لابتين- وهما الحرَّتان-".
فهاجر من هاجر قِبلَ المدينة، ورجع عامة من كان بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قِبَلَ المدينة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على رسلك يا أبا بكر، فإني أرجوا أن يؤذن لي"، فقال أبو بكر: أترجوا ذلك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟
قال: "نعم" فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلف راحلتين كانتا عنده من ورق السَّمر أربعة أشهر" (?). وذلك استعداداً لهجرة النبي من مكة إلى المدينة.
عباد الله! عندما أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، طاروا إليها زرافات ووحدانا، يحثهم الشوق إلى أرض أمن وأمان، يعبدون فيها ربهم، ويجهرون بصلاتهم، ويأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم، فلما رأت قريش