إن علم الجرح والتعديل من أشرف العلوم، وأعظمها قدرا، إذ به يفرق بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة، والأخبار المقبولة والمرفوضة، فما من فقيه إلا وهو إليه محتاج، وما من محدث إلا وإليه يلجأ ويستهدى، فالجرح والتعديل هو الميزان الذى يوزن به رجال الحديث، ويتعرف به على الراوى الذى يقبل حديثه، أو يرد.
ولقد اهتم علماء الحديث النبوى بعلم الجرح والتعديل حتى قال الصحابي الجليل ابن عباس رضى الله عنهما: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وعلم الجرح والتعديل لا يدعيه كل إنسان أو حتى محدث، إذ لا بد أن تتوفر شروط في الجارح والمعدل، فلا يقبل الجرح والتعديل، إلا من عدل متيقظ، له أسباب تجريحه، ولا تقبل التزكية إلا ممن يعرف
أسبابها.
ولقد تصدر جهابذة المحدثين من الأئمة الحفاظ لهذا العلم، كالإمام أحمد بن جنبل، والبخاري، والنسائي، وابن معين، وابن المديني، ومنهم الإمام الحافظ الدارقطني، ولا عجب في ذلك، فهو فريد عصره، ووحيد دهره، وإمام وقته، انتهى إليه علم الحديث، والمعرفة بعلله، وأسماء وأحوال رجاله مع الصدق، والأمانة، والفقه، والفطنة، وصحة العقيدة وسلامة المذهب.