لكن لما كان مقصود القائل لا يظهر إلا بقرينة تدل عليه صار متعيناً على كل أحد إذا قال أنا مؤمن أن يستثني، إلا إذا أظهر من كلامه ما يدل على إرادته أصل الإيمان، ليجانب بذلك تزكية نفسه وادعاء كمالها، لهذا كره الإمام أحمد رحمه الله إطلاق هذه الكلمة دون تقييد لها بالاستثناء. أما قول أنا مسلم فالمشهور عن أهل الحديث هو عدم الاستثناء
فيه، لأنه لما كان كل من أتى بالشهادتين صار مسلماً متميزاً عن أهل الكفر تجري عليه حكام الإسلام التي تجري على المسلمين، كان هذا مما يجزم به بلا استثناء فيه.
وقد خالف السلف في مسألة الاستثناء في الإيمان طائفتان: ذهبت إحداهما إلى إيجاب الاستثناء في الإيمان لأجل الموافاة، حيث إن قائل هذه الكلمة لا يعلم هل يوافي ربه بإيمانه، فيدوم عليه إلى أن يموت أولاً؟ لهذا أوجب هؤلاء الاستثناء في الإيمان، ومأخذهم هذا في الاستثناء لا يعلم عن أحد من أهل السنة والجماعة، كما جزم بذلك شيخ الإسلام رحمه الله. أما الطائفة الأخرى فذهبت إلى تحريم الاستثناء مطلقاً لما يقتضيه في نظرهم من الشك في الإيمان.
ولا ريب في بطلان ما ذهبت إليه هاتان الطائفتان وبعده عن الحق والصواب إن كان هؤلاء قد تعلقوا ببعض الشبه والأدلة لنصرة قولهم، فإن ما تعلقوا به لا تقوم به حجة ولا ينهض به برهان، وقد أوردت في هذا البحث شبه كل طائفة وما تعلقت به من أدلة لنصرة مذهبها، وبينت بطلان تلك الشبه وفساد تلك الاستدلالات.
ثم إن السلامة إنما تتحقق بالبعد عن أهل الأهواء والبدع وبمتابعة أهل السنة والجماعة، فهم دائماً أسعد بالدليل وأحظى بالحق والسبيل،