ذاتها، يقدر بقدرها. فلا يسرف القاتل فى القتل؛ لأنه في أصله محظور ممنوع كأكل الميتة لَا يباح إلا للضرورة، ولا يصح للمقاتل باسم الإسلام أن يسرف في القتل ما ْأمكنه الانتصار بدونه؛ ولعل هذا المعنى الجليل هو الذي جعل عمر الفاروق الذي كان ينظر بنور الله يكره قتال خالد بن الوبيد، ويقول: " إن في سيفه لرهقًا " ويعجب بقتال عمرو بن العاص الذي فتح مصر بأقل ما يتصور من الدماء، ويقول " إن حربه رفيقة ".
وقوله سبحانه (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا علَيْهِْ بمثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (?) هو القاعدة العامة للقانون الدولي في الإسلام في السلم والحرَب معا؛ فمن لم يعتد على المسلمين، وترك دعوة الإسلام الحق تسير في مسارها، وتستقيم على منهاجها من غير محاجزة بين الناس وبينها، فالعلاقة به سلمية خالصة، كالشأن مع النجاشي ملك الحبشة؛ ومن اعتدى على المسلمين كانت العلاقة بينهم وبينه بقدر ذلك الاعتداء؛ سواء أكان الاعتداء في سلم أم لبس لبوس الحرب؛ وإذا عاهدهم أحد حفظوا عهودهم إلا أن ينكث معهم (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ. . .).
ولكن الخصم إذا لم يكن له خلق قد يقع في أمور تضر بالخلق القويم، كأن ينتهك الأعراض في الحرب، أو يقتل الذرية الضعاف، أو الشيوخ الذين لَا حول لهم ولا طول، فهل يعتدى بمثل اعتدائه، ويسلك الممسلمون مثل مسلكه؛ هذا ما بينته الجملة الآتية، وهو عدم الجواز.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ذيل الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بهاتين الجملتين لكيلا يندفع المقاتلون المسلمون في القتال فيضعوا سيوفهم على أعناق من يستحقها ومن لايستحقها]. . وينزلوها في موضع البرء والسقم، فيقتلوا ويتجاوزا الحد؛ لأنه إذا اشتجرت السيوف، وكثرت الحتوف؛ قد تتجاوز موضعها،