لَّكُمْ. . .)، فكان من حصر القتال في أضيق دائرة أن يتفق الفريقان على إلقاء السلاح أمدا معلوما في أثناء القتال لعل العقول تثوب إلى رشدها، والنفوس تهدأ حدَّتها، فيكون التفاهم والسلام وحقن الدماء. وإذا كان ثمة أشهر يحرم فيها، ويرتضي الفريق الآخر ذلك التحريم حقنا للدماء فيها، فإنها ستكون هدنة في أوار الحرب، ولعلها تكون نسيم السلام؛ ولقد لاحظ الناس بالتجارب المستمرة أنه ما كانت هدنة في حرب ضروس إلا فلَّت حدتها، وأُضْعفَت شرَّتهَا؛ والله عليم بذات الصدور.
(وَالْحُرُمَات قِصَاصٌ) تعالت كلمات الله؛ تلك حكمة بالغة، وكلمة جامعة لكل ما سبقها من معانٍ في القتال ومبينة لمقاصد الإسلام في علاقات المسلمين مع غيرهم، وعلاقة بعضهم ببعض في اجتماعهم، وهي قضية خلقية سليمة صحيحة تقبلها العقول السليمة، وتقرها الأخلاق القويمة.
والحرمات: جمع حرمة، كما أن الحجرات جمع حجرة؛ والظلمات جمع ظلمة، والحرمة الأمر الذي حرمه الله ومنع انتهاكه، والقصاص من معانيه المساواة، وتتبع آثار الجريمة بالعقوبة، ومعنى القصاص في الحرمات أن يعامل منتهك الحرمات بمثل ما فعل، وأن يكون العقاب من جنس العمل، وألا يقيد المعاقب بحرمة انتهكها الجاني، فإذا انتهك الجاني حرمة النفس بقتلها، لَا يتقيد المعاقب بحرمة نفسه، بل يقتص منها، لأنه إذا انتهك حرمة غيره بقتل أو اعتداء فقد أباح من حرماته مقابل ما انتهك. ومعنى قوله تعالى: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) في هذا المقام (?) أن ما انتهكوه من حرمة الأنفس بقتلها وفتنتها عن دينها، وحرمة البيت الحرام التي انتهكوها بإخراج أهله منه وصدهم عنه، وقتالهم فيه، وحرمة الشهر الحرام إذا انتهكوها، كل هذا