زهره التفاسير (صفحة 7535)

وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

هذا تكميل ما جاء في الآية السابقة، ففي الآية السابقة كان التدرج من الأمر بتطهير النفس، وملئها باللَّه تعالى في الصلاة والعبادة، ثم فعل الخير لأكبر عدد ممكن في الأمة، وفي هذه الآية المطالبة بالنفع الإنساني بتبليغ الرسالة المحمدية رسالة الإنسانية للناس جميعا، وذلك بالدعوة إلى الإسلام، وهو جهاد، وتذليل العقبات في سبيل هذه الدعوة، وإزالة كل المحاجزات التي تحاجز دونها، ولو كان ذلك بالحرب، ولذا قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكمْ).

الجهاد مفاعلة ببذل الجهد، فالمؤمن يبذل جهده في الدعوة إلى اللَّه، والمقاوم من الكفار يبذل جهده في الصد عن سبيل اللَّه، ومقاومة الحق.

وقوله تعالى: (فِي اللَّهِ)،، أي الجهاد لأجل ذات اللَّه وابضغاء مرضاته فـ (فِي) هنا تفيد السببية، كما في الحديث الشريف: " دخلت امرأة النار في هرة " (?)، والإتيان بـ (فِي) بدل " الباء " أو " من " فيه معنى إحاطة اللَّه تعالى بالجهاد بأن يكون كله للَّه تعالى، وقوله تعالى: (وحَقَّ) الإضافة فيه بيانية، أي الجهاد الحق الذي يكون من غير إرادة الفخر، أو ابتغاء دنيا يصيبها، وحق الجهاد أن يخلص النفس من أدران الهوى، وإرادة إراقة الدماء، وأن يجاهد المقاتل نفسه أولا، فيقيها عن شهواتها، ويبعد عنها نزغات الشيطان، وأن يجاهد للحق ورفعته، ويكون الجهاد أحيانا أمام الحكام الغاشمين، ولقد قال النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: " أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " (?)، وإذا قتله يكون خير الشهداء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015