وقوله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) أي يُرى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من آيات ربه الكبرى ومن إمامته لأرواح الأنبياء أو للأنبياء أنفسهم قد أحضرهم اللَّه تعالى له بأجسادهم، كما يبعثهم يوم البعث بأجسادهم، وتلك آيات من آيات اللَّه تعالى، وعرج به إلى السماوات العلا، كما قال تعالى في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18).
هذه آيات المعراج لَا نتعجل الكلام في ذكر معانيها، فنؤجل ذلك إلى الكلام في معاني هذه السورة التي تصور الرحلة النبوية إلى السماوات العلا سواء أكانت هذه الرحلة بالروح فقط أم بالروح والجسد، واللَّه على كل شيء قدير، بقي أن نتكلم في الإسراء والمعراج أكان بالروح أم بالجسد والروح؟.
اتفق علماء السلف على أن الإسراء كان بالروح والجسد، وأنه كان ليلا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مستيقظ يرى ويسمع، ولذا وصف عير قريش وذكر أنه يتقدمها جمل أورق.
ولم يخالف في ذلك إلا ما روي عن عائشة وعن معاوية من الذين لقوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ونقول: إن عائشة رضي اللَّه عنها ما كانت زُفت إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وما كانت في سن تسمح لها بالرواية، إلا أن تكون قد روت ذلك عن غيرها، ولم تذكر من روت عنه، ومهما يكن فهي الصِّدِّيقة بنت الصَِّدِّيق، ولكنا لا نأخذ برأيها وقد كان رأيا لنا أن نخالفه، وأما معاوية فماله ولهذا وقد كان هو وأبوه ممن كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصل الإسراء، فلم يكن وقت الإسراء إلا مشركا ككل المشركين.