زهره التفاسير (صفحة 4756)

وإن قوله تعالى عنهم أنهم يقول بعضهم بلمح النظر: (هَلْ يَرَاكُم مِنْ أَحَدٍ) فيه إشارة إلى أنهم يريدون أن يتسللوا من المسجد لواذًا لَا يحس بهم أحد حتى لا يعرف نفاقهم، ويتميز أمرهم، وهم لفرط انغمارهم في النفاق يحسبون أنهم لا يعلم بهم أحد، مع أن أعمالهم تكشف عن سرائرهم ولا يخفى أمرهم على أحد، فإن لم يكن ظهوره بأقوالهم، فظهوره بأفعالهم وتقاصر هممهم عن أي خير، و (مِّنْ) في قوله تعالى: (هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ) لاستغراق النفي، أي هل يراكم أي أحد، و (هَلْ) للاستفهام الإنكاري بمعنى إنكار الوقوع أي لَا يراكم من أحد فاخرجوا.

ثم بين سبحانه السبب في أنهم لَا يذكرون ولا يرجعون عن غيهم، مع توالى المنكرات المنهيات فقال تعالت كمماتلى: (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) (الباء) للسببية أي أن انصرافهم عن الاستماع للقرآن وتدبر معانية، وعن الاختبارات المتوالية بسبب أنهم لَا يتدبرون الآيات ولا الأحداث، ولا يعتبرون بالعبر، وذلك كله من عدم فقه الأمور، والآيات، وإدراك غاياتها ومراميها، وقد ختم اللَّه تعالى السورة التي كثر فيها ذكر القتال وانبثاق النفاق بما يدل على أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة فإذا كان قد قاتل، وكشف النفاق وأهله فذلك من باب الرحمة بعباده والرأفة بهم؛ لأن قتال المفسدين وكف فسادهم رحمة بالأبرار المتقين، فليس من الرحمة بالناس أن يترك الشر يستشري، والرذائل تتحكم، والاعتداء يسيطر، فإن الضعفاء فريسة المستضعفين، والفساد يتضمن ظلم الذين لَا يستطيعون دفعه، وكشف النفاق رد لمكايد المنافقين، ولقد قال تعالى: (. . . وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهََ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

ولأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبي الرحمة قال - تعالى - مخاطبا العرب أجمعين: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015