والمعنى على هذا في قوله: (وَلا يَرْغَبُوا بِأنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ) أي لَا يصونوا أنفسهم عما يرغبون فيه من عيش رغيد هين، وظل ظليل فلم يصونوا أنفسهم عن رغباتها، كما لم يُصن نفسه عن رغباتها.
ولنا أن نقول: إن عن نفسه معناها متجاوزين نفسه، ولذا كان التعدي بـ (على)، و (لا) في قوله تعالى: (وَلا يَرْغَبُوا) لتأكيد النفي بـ (ما)، أي ما كان لهم أن يتخلفوا عن رسول اللَّه، ولا كان لهم أن يرغبوا بأنفسهم، فتكرار النفي تأكيد له.
وإن هذا خبر في موضع الطلب بأبلغ معاني الطلب، فيكون المعنى لا تتخلفوا عن رسول الله إذ يخرج للجهاد، ولا ترغبوا في الدعة، والإقامة في بحبوحة العيش، وتتركوا الرسول يخرج للجهاد وحده وإن ذلك له جزاؤه، ولذا قال سبحانه بعد ذلك مبينا الجزاءة (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ). الإشارة في قوله تعالى: (ذَلِكَ) إلى النهي المفهوم من قوله تعالى: (مَا كانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم).
إن هذا النفير من أهل المدينة المأمور به، والمنهي عن التخلف عنه، وألا يرغبوا بأنفسهم، كما فعل أبو ذر إذ خرج يتبع الرسول حتى حسب أن بعيره يبطئه عن الوصول إلى الرسول، فسار على قدميه يحمل متاعه وآلة الحرب، وكما فعل أبو خيثمة وكانت له زوجة حسناء، قد تزوجها حديثا، فرطبت له الأرض بالماء وفرشت له الحصير، وقدمت له الرطب والماء فتذكر الشدة التي فيها الرسول وصحبه من المهاجرين والأنصار، فترك ذلك كله، وركب بعيره حتى لحق برسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، كما ذكر ذلك بسبب أنهم قد أدركوا وفهموا وعد