زهره التفاسير (صفحة 4527)

ما ينفقون في الدنيا رجاء أن تتم الخديعة التي أرادوها، وعبر سبحانه وتعالى هنا بقوله تعالى: (أَن تُقْبَلَ)، وفي الآية السابقة بقوله تعالى: (نفِقُوا طَوْعًا أَوْ كرْهًا لَن يتَقَبَّلَ) بصيغة يتقبل، وذلك لأنهم كانوا يظنون أن أي إنفاق يقدمونه يتقبل برغبة من النبي وأصحابه، فإن صيغة التقبل تدل على القبول برغبة كما قال تعالى في نذر مريم: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حسَنٍ. . .).

وفى هذه الآية: (تُقْبلَ) من أصل القبول، وسبب الرد أصل القبول، ولو كان النع من التقبل، لكان أصل القبول غير ممنوع.

و" أن تُقبل " الضمير المنسبك من (أن وما بعدها) في موضع المجرورب (مِن) لأن حروف الجر تحذف كثيرا قبل أن وفعلها، كما في قوله تعالى: (. . . مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ. . .).

وقد ذكر الشوكاني في تفسيره فتح القدير: أن الآية الكريمة تشير إلى أن الأسباب ثلاثة فقال: " جعل المانع من القبول ثلاثة أمور، الأول: الكفر، والثاني: أنهم لَا يُصَلُّون في حال من الأحوال إلا في حال الكسل والتثاقل، والثالث: أنهم لا ينفقون أموالهم إلا وهم كارهون؛ لأنهم يعدون إنفاقها وضعا لها في مضيعة لعدم إيمانهم بما وعد الله ورسوله.

وقد ذكر الأمر الأول فقال سبحانه وتعالى: (أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) الضمير المنسبك من أن وما بعدها في محل رفع فاعل للفعل (منع) في قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُم) فكفرهم بالله لأنهم تمردوا على أوامره ونواهيه، وجحدوا بآياته، وكفرهم برسوله لأنهم جحدوا رسالته، واليهود منهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وقد جاء بالكتاب من عند الله وعجز العرب عن أن يأتوا بمثله بعد أن تحداهم فما استطاعوا، وكرر الباء، فقال: (بِاللَّهِ وَبِرَسولِهِ)، للإشارة إلى أن الكفر باللَّه كفر، والكفر بالرسول كفر، أيضا.

وفى الأمر الثاني قال تعالى: (وَلا يَأتونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كسَالَى) أي لا يقومون عند النداء إلى الصلاة إلا وحالهم حال الكسالى متثاقلون كأنهم غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015