زهره التفاسير (صفحة 4110)

203

وخامسا - أن ضلال الضالين إنما يكون بإغوائهم بطلب آيات يريدونها ويريدون أن يجتبيها لهم، ومصداق هذا قوله تعالى:

(وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203).

هذه آيات بينات وهي تكشف معانيها من غير تبيين مبين، ولا تفسير مفسر، فهي كتاب مبين واضح، ولكن ما نذكر من بيان ليس تفسيرا، إنما ذكر لنسق القرآن الحكيم، وضرب في ناحية من إعجازه الذي لَا تتطاول إليه الأعناق، فهي تنهد إليه وتتسامى ولا تسمو، وتحاول ولا تصل.

(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

العفو هو الزائد الميسَّر الذي يسهل أخذه، ويسهل إعطاؤه، ويسهل القيام به، فالنص داع لمن يعطي بأن يعطي السهل الذي يمكن المداومة عليه من غير ضيق وتبرم، كما قال تعالى: (. . . وَيَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ. . .)، ويقبل من الناس القليل، ولا يكلفهم ما لَا يطيقون من قول أو عمل، ويفعل اليسير من العبادات الذي يمكن المداومة عليه، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ " (?). وكان يقول - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يحب الديمة من الأعمال " (?). وإن العفو السهل اليسير يسهل المداومة عليه، والاستمرار في عمله، واقبل من الناس ما يسهل عليهم ولا تكلفهم شططا، واجعل العفو دائما شعارك، لَا تشتط في الطلب، ولا تعاسر الناس بل خذهم برفق؛ فإنك إن فعلت كسبت خيرهم، واجتنبت شرهم، وكنت أليفا مألوفا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015