زهره التفاسير (صفحة 2598)

هذا تخريج قول الذين قالوا إن البرهان هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم كثيرون من التابعين.

وأما قول الذين قالوا إن البرهان هو القرآن الكريم، فهو واضح لأن القرآن هو معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - الدالة على صدق رسالته، ولكن الذي يقتضي توضيحه هو قوله تعالى بعد ذلك:

(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) فإنه واضح أن المراد منها القرآن، لأنه المنزل من رب العالمين، وهو النور الواضح الهادي إلى الرشاد، ويجاب عن ذلك بأن القرآن الكريم فيه المزايا الثلاث، فهو الحجة القائمة، والمعجزة الدائمة، وهو تنزيل من رب العالمين، وهو نور يهدي للتي هي أقوم، وإن النور المبين في القرآن، ما اشتمل عليه من أحكام شرعية خالدة تنير السبيل وتوضحه لمن يسلك سبيل المؤمنين، فهي نافعة في الدين مبينة الحق، ومن اتبع أحكام القرآن هدى، ومن خالفها هوى.

وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا). أنزلنا إليكم مواعظ وقصصا وأحكاما شرعية هي كالنور في هدايته وإرشاده وبيانه للأشياء فهي مبينة للطريق المستقيم، والنهج القويم، والحق الذي لَا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.

ولا يتغير المعنى اذا قلنا إن البرهان هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه حينئذٍ يفسر قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا). بأنه القرآن، والمعنى والمؤدى فيهما، لا يختلف.

وهنا مباحث لفظية لَا بد من الإشارة إليها بعبارات موجزة موضحة.

أولها - التعبير بقوله تعالى: (مِّن رَّبِّكُمْ). في قوله تعالى: (قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ) فيه تقوية لمعنى البرهان، لأن ذلك الدليل إذا كان قد جاء من عند علام الغيوب الذي خلق السماوات والأرض وما فيهما، لابد أن يكون برهانا صادقا مقنعا لطالب الحق، مفحما لأهل الباطل الجاحدين، وقد زكى معنى التأكيد التعبير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015