وبهذا يتبين أن هذه الأعيان ليست خسيسة في ذاتها، ولا يقصد تخسيسها، وإن كانت هي دون نعيم الآخرة ومتعها.
وقوله تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) فيه إشارة إلى أن الناس يحبون هذه الشهوات ويستحسنون هذه المحبة؛ وذلك لأن الإنسان قد يحب شيئا ولكنه في محبته له غير راض عن نفسه، كأولئك الذين يميلون إلى بعض الآفات الاجتماعية، كالخمر، والميسر؛ فإنهم مع ميلهم إليها يستنكرون حالهم، ولا يحمدون ما يفعلون، إلا إذا كانوا قد طمس الله على بصيرتهم، فعموا وضلوا، وَزيّن لهم سوءُ أعمالهم فرأوْه حسنا، ولكن الناس جميعا مع محبتهم لهذه الأمور يستحسنون هذه المحبة، ويرضون عن أنفسهم في ميلهم إليها؛ وإن ذلك الاستحسان من عامة الناس يدل على أن محبة هذه الأمور من فطرة الإنسان ومن طبيعته؛ وإن هذا الميل لَا يدل على خسة في الطبع، ولكنه يدل على أنها في الفطرة.
وإن محبة هذه الأشياء، وهي رمز للطبيعة الإنسانية ليست بدرجة واحدة، بل تختلف بمقدار قوة نزوع النفس إليها، وتختلف بمقدار ما تشبع به الحاجات والغرائز الإنسانية.
وقد يقول قائل: وكيف يكون حب الذهب والفضة فطريا، مع أنه ليس من الفطرة؟ والجواب عن ذلك: أن الذهب والفضة يشبعان الحاجات الإنسانية، فهما من الوسائل للوصول إلى النساء وغيرهن، وهما في خدمة تلك الفطرة، وأحبهما الناس لأنهما يوصلان دائما إليها، ثم صار حبهما لذاتهما، وأشبه أن يكون من الفطرة.
ولنذكر هذه الأمور الستة، وهي مرتبة مراتب بترتيب القرآن الكريم: المرتبة الأولى: النساء، وحبهن فطري في الطبيعة الإنسانية مستكن فيها، لا يختلف فيه الناس إلا من إيفَت (?) مشاعره وفسدت طباعه، وهن زهرة هذا