الحصور. فلا جرم كان من اجل العلوم وأفخرها، وأحقها بالاعتناء به وأجدرها، علم الأدب، والتضلع من كلام العرب، إذ به تنحل عقله اللسان، وتزاح روعة الجنان. وهو لسان نبينا نخبة العالم، وصفوة ولد آدم، وكتابه الذي أخرس به مصاقع البيان، من بلغاء عدنان وقحطان، حتى عدلوا عن المجادلة إلى الطعان، وعن المعارضة إلى الادغان. صلى الله وسلم عليه وعلى آله ما لمع بارق، وطلع شارق، فهو لعمري أجل الكلام، وأشرف ما اعتورته الألسنة والأفهام، وأبها بدر يستجلى وعروس، وأسنى أثر يستبقى في ميادين الطروس. لا سيما علم أمثالها التي هي زمام كل معنى، ومناط لك مبنى، ومنار لك مرمى، ومصباح كل ظلما. وبها يرتاض كل جموح، ويصبح المنبهم ذا وضوح، وبها يعود الغائب مشهودا بل المعدوم موجودا.

وكان الأقدمون بهذا الفن معتنين، ولنوادره ملقنين، ومدونين، يردون مواردها، ويقتنصون شواردها؛ ويقتطفون أزهارها النضرة، ويتنسمون نسماتها العطرة؛ ويرتشفون ثغورها، ويقتبسون نورها؛ ويشيمون لمحات تلك البوارق، ويشمون بدررها صفحات المهارق. فلما طال العهد بأزمان العرب، وقضى من تناسي أيامها كل أرب، تغلبت العجمة على الألسنة والطباع، فخلت من قطينها هاتيك الرباع، وأصبحت حديثا مهجورا، كأن لم تكن شيئا مذكورا، وعادت أيامها محض أوهام، فكأنها وكأنهم أحلام، وتقلص ضافي بردها، وتكدر صافي وردها، وذهبت المعارف والعوارف، وتقلص ظلها الوارف؛ وأمست رباع الأدب قفرا، وراحت الخواطر منه صفرا.

وكانت نفس تشوقني إلى هذا الفن ومآثره، وتنازعني إلى تتبع داثره. فكنت أشتاق أن أرى في هذا موضوعا، وأصادف كتابا مجموعا، مما عني به الأقدمون، واقتفى أثرهم فيه المتأخرون. فلم يسمح بذلك الدهر العقيم، ولم يظفر بشيء منه الجد السقيم. ولما لم أذق من ذلك لملقا، ولم يزدد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015