بالشطرنج، فلما قدم عليه بغداد وهو خليفة قال: يا أمير المؤمنين، أنا أعلم الناس بهذه الصناعة، فأقطعنى ما كان للرازى الشطرنجى؛ فغاظ ذلك المكتفى، وندب له الصولى فلم ير معه الماوردى شيئا. فقال له المكتفى: صار ماء وردك بولا، قال الصولى: فأقبل المكتفى علىّ ورتّبنى فى الجلساء، فحجبت يوما عنه، واتصل بى أن خصمى شمّت بى، فكتبت قصيدة للمكتفى أقول فيها:
قد ساء ظنّ الناس بى وتنكّروا ... لمّا رأونى دون غيرى أحجب
إن كان غلبيه يقرّب أمره ... دونى فإنى عن قريب أغلب
فضحك، وأمر لى بمائتى دينار، واندرجت فى خدمته.
اجتمعت وفود العرب عند معاوية رحمه الله تعالى، وكان إذا أراد أن يفعل شيئا ألقى منه ذرءا إلى الناس «1» ، فإذا امتنعوا كفّ، وإن رضوا أمضى، فعرض ببيعة يزيد، فقامت خطباء معدّ فشقّقوا الكلام، وأطنبوا فى الخطاب، فوثب شاب من غسّان قابضا على قائم سيفه، فقال: يا أمير المؤمنين؛ إنّ الحيف فى حكم السيف «2» ، وبعد النسيم الهيف «3» ؛ فإنّ هؤلاء عجزوا عن الصّيال، فعوّلوا على المقال، ونحن القاتلون إذا صلنا، والمعجبون إذا قلنا، فمن مال عن القصد أقمناه، ومن قال بغير الحق وقمناه «4» ، فلينظر ناظر إلى موطىء قدمه، قبل أن تدحض فيهوى هوىّ الحجر من رأس النّيق «5» ؛ فتفرّق الناس عن قوله، ونسوا ما كانوا فيه من الخطب.