خُرُوجُهُ إِلَى السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، فَإِنْ خَرَجَ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَإِلَّا فَفِي كِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هُذِّبَ الْعَبْدُ وَنُقِّيَ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ.
فَصْلٌ
وَلَمَّا دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَجَابَ لَهُ عِبَادُ اللَّهِ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، فَكَانَ حَائِزَ قَصَبِ سَبْقِهِمْ صِدِّيقُ الْأُمَّةِ وَأَسْبَقَهَا إِلَى الْإِسْلَامِ أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَآزَرَهُ فِي دِينِ اللَّهِ، وَدَعَا مَعَهُ إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَاسْتَجَابَ لِأَبِي بَكْرٍ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَبَادَرَ إِلَى الِاسْتِجَابَةِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدِّيقَةُ النِّسَاءِ: خديجة بنت خويلد، وَقَامَتْ بِأَعْبَاءِ الصِّدِّيقِيِّةِ وَقَالَ لَهَا: ( «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ لَهُ: أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا» ) ثُمَّ اسْتَدَلَّتْ بِمَا فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُخْزَى أَبَدًا، فَعَلِمَتْ بِكَمَالِ عَقْلِهَا وَفِطْرَتِهَا أَنَّ الْأَعْمَالَ الصِّالِحَةَ وَالْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ وَالشِّيَمَ الشِّرِيفَةَ تُنَاسِبُ أَشْكَالَهَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَلَا تُنَاسِبُ الْخِزْيَ وَالْخِذْلَانَ، وَإِنَّمَا يُنَاسِبُهُ أَضْدَادُهَا، فَمَنْ رَكَّبَهُ اللَّهُ عَلَى أَحْسَنِ الصِّفَاتِ، وَأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ إِنَّمَا يَلِيقُ بِهِ كَرَامَتُهُ وَإِتْمَامُ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَمَنْ رَكَّبَهُ عَلَى أَقْبَحِ الصِّفَاتِ وَأَسْوَأِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ إِنَّمَا يَلِيقُ بِهِ مَا يُنَاسِبُهَا، وَبِهَذَا الْعَقْلِ وَالصِّدِّيقِيِّة اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا رَبُّهَا بِالسَّلَامِ مِنْهُ مَعَ رَسُولَيْهِ جِبْرِيلَ وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.