وَافَقَهُمْ، حَصَلَ لَهُ الْأَذَى وَالْعَذَابُ، تَارَةً مِنْهُمْ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَنْ عِنْدَهُ دِينٌ وَتُقًى حَلَّ بَيْنَ قَوْمٍ فُجَّارٍ ظَلَمَةٍ وَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ فُجُورِهِمْ وَظُلْمِهِمْ إِلَّا بِمُوَافَقَتِهِ لَهُمْ، أَوْ سُكُوتِهِ عَنْهُمْ، فَإِنْ وَافَقَهُمْ أَوْ سَكَتَ عَنْهُمْ سَلِمَ مِنْ شَرِّهِمْ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِ بِالْإِهَانَةِ وَالْأَذَى أَضْعَافَ مَا كَانَ يَخَافُهُ ابْتِدَاءً لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَخَالَفَهُمْ، وَإِنْ سَلِمَ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يُهَانَ وَيُعَاقَبَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِمْ، فَالْحَزْمُ كُلُّ الْحَزْمِ فِي الْأَخْذِ بِمَا قَالَتْ عائشة أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لمعاوية: (مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ لَمْ يُغْنُوا عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) .
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْعَالَمِ رَأَى هَذَا كَثِيرًا، فِيمَنْ يُعِينُ الرُّؤَسَاءَ عَلَى أَغْرَاضِهِمِ الْفَاسِدَةِ، وَفِيمَنْ يُعِينُ أَهْلَ الْبِدَعِ عَلَى بِدَعِهِمْ هَرَبًا مِنْ عُقُوبَتِهِمْ، فَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ وَوَقَاهُ شَرَّ نَفْسِهِ امْتَنَعَ مِنَ الْمُوَافَقَةِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَصَبَرَ عَلَى عُدْوَانِهِمْ، ثُمَّ تَكُونُ لَهُ الْعَاقِبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَمَا كَانَتْ لِلرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ كَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَمَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَصَالِحِي الْوُلَاةِ وَالتُّجَّارِ، وَغَيْرِهِمْ.
وَلَمَّا كَانَ الْأَلَمُ لَا مَحِيصَ مِنْهُ الْبَتَّةَ، عَزَّى اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - مَنِ اخْتَارَ الْأَلَمَ الْيَسِيرَ الْمُنْقَطِعَ عَلَى الْأَلَمِ الْعَظِيمِ الْمُسْتَمِرِّ، بِقَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5] [الْعَنْكَبُوتِ: 5] فَضَرَبَ لِمُدَّةِ هَذَا الْأَلَمِ أَجَلًا، لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ، وَهُوَ يَوْمُ لِقَائِهِ، فَيَلْتَذَّ الْعَبْدُ أَعْظَمَ اللَّذَّةِ